قصة سيدنا لوط عليه السلام – فاحشة قوم لوط و عذاب الله لهم

لوط عليه السلام هو نبي من أنبياء الله، و هو ابن أخ نبي الله إبراهيم عليه السلام، أرسله الله إلى قوم كانوا يسكنون في منطقة في فلسطين المحتلة حاليا، الموقع الآن يدعى سدوم و عمورة، و لا تزال آثار هذه القرى المرجومة إلى اليوم، يظهر جليها أنها قرى تعرضت للعذاب.

حال قوم لوط عليه السلام

كان قوم لوط هؤلاء يأتون فاحشة ما أتاها أحد من قبلهم، و هي أنهم كانوا يأتون الذكران و العياذ بالله، و كانوا يفعلون الفاحشة في مجالسهم، و كانوا يقطعون السبيل و يفعلون الكثير من المنكرات.

قال تعالى عنهم على لسان لوط عليه السلام في سورة العنكبوت: <<وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ>>.

دعوة لوط عليه السلام لهم

فكانت هذه الفاحشة العظيمة منتشرة بينهم، فأرسل الله إليهم لوطا عليهم السلام يدعوهم إلى الله و ترك الفاحشة، فكان مما قال لهم كما جاء في سورة الشعراء: <<كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)>>.

و لبث فيهم زمنا يعلمه الله يدعوهم إلى ترك هذه الفواحش و التوبة إلى الله و تقواه، فما كان منهم إلا أن قالوا: <<فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)>> النمل.

و تحدوا نبي الله لوطا عليه السلام أن يأتيهم بالعذاب الذي قال لهم فقالوا: <<فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)>> العنكبوت.

و لما قالوا له هذا و ضاق بهم نبي الله ذرعا دعا ربه فقال: <<قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)>> العنكبوت. و جاءت صيغ أخرى في دعائه فقال: <<رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)>> الشعراء.

زيارة الملائكة المرسلين لعذاب قوم لوط لإبراهيم عليه السلام

و استجاب الله لنبيه لوط عليه السلام، فارسل ملائكة لتعذيب هؤلاء القوم الفسقة، و قبل أن يذهبوا إلى قرية لوط عليه السلام ذهبوا إلى إبراهيم عليه السلام و كان شيخا، فدخلوا عليه أضيافا في هيئة بشر و لم يعلم أنهم ملائكة، فذبح لهم عجلا حنيذا و قربه غليهم فوجدهم لا يأكلون، فأوجس في نفسه خيفة، فقالوا له: لا تخف إنا رسل ربك.

و أخبروه أنهم أرسلوا إلى قوم لوط و أنه أنزل عليهم العذاب، و بشروه و امرأته سارة بغلام، و هو إسحاق عليه السلام، و من بعد إسحاق يعقوب، أي ابن إسحاق. و القصة موجودة في مقال قصة إبراهيم عليه السلام.

< قصة إبراهيم عليه السلام >

و بعد أن بشروه بالغلام و ذهب عنه الروع جادل في قوم لوط، و كان إبراهيم يرجو أن ينيبوا و يسلموا و يقلعوا عن المنكر، لهذا قال تعالى عنه: << فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75)>> هود.

فقال عنه أنه حليم أواه منيب، فقال الرسل: << يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)>> هود. فقال له الله على لسان رسله أن يترك هذا الكلام لأن قد جاء أمر الله و لا راد لأمر الله.

و جاء في آية أخرى أنه قال لهم: <<إِنَّ فِيهَا لُوطًا>>. فقالوا: <<نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ>> العنكبوت 32.

فحكمة الله اقتضت أن هؤلاء القوم منزل بهم العذاب و لا أمل فيهم، و هذا من لمه سبحانه و تعالى.

ذهاب الرسل إلى لوط عليه السلام

و لما ذهب الرسل من عند إبراهيم إلى لوط عليه السلام، فلما جاؤوا إليه سيء بهم و ضاق بهم ذرعا، فخاف عليهم من قومه الذين يأتون الفاحشة، و كانوا من قبل نهوه أن يضيف الرجال في بيته، و قال: <هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ>.

و كان أدخله بالسر حتى لا يدركهم قومه، فذهبت امرأته و كانت كافرة فأنبأت قومها و قالت لهم أن لوطا ضيف رجالا من أحسن الناس خلقا، فجاءه قومه يهرعون إليه، و كانوا ينوون الفاحشة، فقال لهم: << قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)>> و المقصود ببناته نساءهم، و ليس بنات لوط من صلبه، هكذا قال المفسرون، لأن أي نبي في قومه هو أبوهم شرعا، و إلا فنبي الله لا يعرض بناته من صلبه للبغاء.

فقال له قومه: <<قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)>>هود، فشددوا عليه و قيل أنهم كانوا خلف الباب فجعلوا بدفعون عليه الباب و هو يغلقه عليهم.

فقال لوط عليه السلام: << قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)>> هود. حينها قال الملائكة الذين كانوا في بيته: <<قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ>> هود 81. فلما دخل قومه طمس الله أعينهم فرجعوا. و ذلك أن جبريل عليه السلام كما قيل خرج عليهم فضرب وجوههم بطرف جناحه فطمس أعينهم. و الله أعلم كيف كان ذلك.

ثم قال الرسل للوط: <<فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)>> هود. فهذا أمر من الله للوط أن يخرج بأهله من القرية في الليل، و أن موعد هؤلاء القوم الصبح.

و اختلف العلماء في تفسير: إلا امرأتك، فمنهم من قال أنه أمره ألا يخرجها معه، و من قال أن ذلك يعني أنها ستخرج معه لكنها ستلتفت فيسخطها الله بالعذاب حين التفاتها، و العلم لله في هذا.

عذاب الله لقوم لوط عليه السلام

فلما خرج لوط عليه السلام من قريته و جاء الصبح جعل الله عاليها سافلها، و ذلك أن جبريل عليه السلام رفعها إلى السماء حتى سمع صياح ديكتها و نباح كلابها في السماء الدنيا، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها.

ثم أمطر الله عليهم حجارة من سجيل، و السجيل هو الآجر الأحمر المشتعل، فرجمهم الله بأحجار ملتهبة حتى أحرقهم عن آخرهم، و لا أشد من العذاب بالنار. و لا تزال آثار هذه القرى في فلسطين المحتلة إلى اليوم شاهدة عليهم، و هي من أكثر الأماكن انخفاضا عن سطح البحر.

و آثار العذاب لا تزال بادية هناك، و وجد علماء الجيولوجيا هناك أحجارا كبريتية تدل على احتراق المكان بالقذائف البركانية، و وجدوا الكثير من آثار الاشتعال و الرماد و الكبريت و الكلس، التي تدل على أن هذا المكان كان قرية و تعرضت لعذاب شديد، نسأل الله العافية.

قرية قوم لوط

ختاما

كان عذاب قوم لوط من أشد أنواع العذاب التي ذكرها الله لنا عن القرى المعذبة إن لم نقل أشدها، فكان عذابهم أن أحرقهم الله على خلاف الأقوام الأخرى التي عذبها الله بالطوفان كقوم نوح عليه السلام، و الريح كقوم هود عليه السلام و الصيحة و الرجفة كقوم صالح عليه السلام

لكن هؤلاء القوم من عظم الفاحشة التي أتوها و إصرارهم عليها و خروجهم عن الفطرة أرسل الله عليهم أنواعا من العذاب، فلم يبق منهم أحدا إلا لوطا و أهله، و لم يكن غير بيته مسلمين في هذه القرية، قال تعالى: <<فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36)>> الذاريات.

و للأسف انتشرت فاحشة قوم لوط انتشارا رهيبا مؤخرا في زمننا هذا حتى ظهرت على وسائل الإعلام، و خاصة في البلدان الغربية، و انتشرت حتى في البلدان الإسلامية لكننا و الحمد لله لا زلنا ننكرها، و هي شرذمة قليلة لا قوة لهم، نسأل الله العافية، و انتشارها هذا ليس إلا من ابتعادنا عن شرع الله، فلو طق شرع الله لما ظهرت هذه الفواحش و لا انتشرت.

اللهم عافنا في من عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا برحمتك شر ما قضيت، إنك تقضي و لا يقضى عليك، إنه لا يعز من عاديت، و لا يذل من واليت، تباركت ربنا و تعاليت.

هذا و الله أعلم، و صل اللهم على نبيك محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهي و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

مصادر

القرآن الكريم

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top