قصة سيدنا صالح عليه السلام – قوم ثمود و عقرهم للناقة و عذابهم

صالح عليه السلام هو نبي من أنبياء الله، أرسله إلى قوم ثمود حين أشركوا بالله و عبدوا الأصنام و كفروا بأنعم الله، و هو نبي و رسول أرسل بعد هود عليه السلام، قص الله قصته في القرآن في عدة مواضع، و قصها بعد قصة صالح عليه السلام في غير موضع.

حال قوم صالح عليه السلام قبل إرسال صاح عليه السلام

و ثمود هم قوم من العرب العاربة من نسل سام ابن نوح عليه السلام، سكنوا في شبه الجزيرة العربية بين الحجاز و تبوك، و ديارهم لا تزال موجودة في السعودية إلى اليوم، و كانوا قوما آتاهم الله قوة عظيمة، فكانوا ينحتون من الجبال بيوتا فرهين، و يبنون قصورا عظيمة على السهول، فكانوا من الأقوام التي آتاهم الله القوة و الآثار في الأرض.

دعوة صالح عليه السلام لهم

لكنهم كفروا بأنعم الله فعبدوا الأصنام و أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، فأرسل الله لهم رسولا منهم يبلغهم رسالاته، و هو صالح عليه السلام، فدعاهم إلى الله و حاجهم في هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله و ذكرهم بأن الله آتاهم القومة في الأرض و جعلهم خلفاء من بعد عاد، فذكرهم بآلاء الله و لكنهم لم يؤمنوا.

و مما قاله لهم كما قال تعالى في سورة الشعراء: <<  كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) >> فقالوا له: << قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)  >>فكذبوه و قالوا له أنت مسحور، و قالوا له أنت بشر مثلنا، و سألوه أن يأتيهم بآية من الله.

تحديهم لنبي الله صالح عليه السلام

وتحدى الكافرون صالح عليهم السلام أن يأتيهم بآية من ربه، أي معجزة حتى تثبت لنا أنك رسول من الله، فدعا نبي الله ربه أن يرسل لهم آية من عنده تعجزهم. فاستجاب الله له.

خروج الناقة من الصخرة

و أرسل الله لهم الناقة معجزة لهم، و خرجت هذه الناقة من صخرة عظيمة، و كانت ناقة عظيمة ليست كباقي النوق، و كانت عشارا أي حاملا، و اشترط عليهم رسول الله أن لهذه الناقة يوم تشرب هي فيه، و يوم آخر لهم، فلا يشربون في اليوم الذي تشرب هي فيه، و لا تشرب هي في اليوم الذي يشربون فيه.

و كانت تمدهم بالحليب فتشرب القرية كلها، و لبثت فيهم زمنا يعلمه الله و ولدت، و آمن مع صالح عليه السلام كثير، لكن أكثرهم استكبروا و لم يؤمنوا، و حذرهم إن هم مسوا الناقة بسوء أن يأخذهم عذاب أليم، لكن الظالمين بآيات الله يجحدون.

و كان الذين استكبروا عن آيات الله هم أكابر القوم، و أبوا أن يؤمنوا مع صالح و قد اتبعه ضعفاؤهم، و تكابر عليهم ذلك كبرا في أنفسهم و عتوا، قال تعالى في سورة الأعراف: <<قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ (76)>>.

تآمر الرهط لقتل الناقة

و كان في المدينة تسعة رهط، و الرهط هو عدد من الناس من ثلاثة إلى تسعة، و هؤلاء كانوا تسعة من أعتى القوم و أفسقهم، قال عنهم تعالى: <<وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)>> النمل. فتآمروا فيما بينهم على قتل الناقة و عصيان أمر الرسول تكذيبا له، و أرسلوا واحدا منهم كان أعتاهم و أشقاهم، فتعاطى أي سكر، فأتى الناقة فعقرها.

و لما أصبحوا من يومهم قالوا لنبي الله كما قال تعالى: <<فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)>> الأعراف. فقتلوا الناقة و تحدوا نبي الله أن يأتيهم بالعذاب الذي تحدث عنه.

فلما تحدوه أوحى الله إليه أن لهم ثلاثة أيام، قال تعالى: <<فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)>> هود.

فقال لهم، تمتعوا ثلاثة أيام يأتيكم بعدها العذاب، فعزموا على قتله و أهله فقالوا: <<قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)>> النمل، قال المفسرون، بعدما قتلوا الناقة و بشرهم بالعذاب عزموا على قتله، فمكر الله مكرا فقتلهم قبل الآخرين، و هؤلاء هم التسعة الذين قتلوا الناقة.

عذاب ثمود قوم صالح عليه السلام

فلما مرت الأيام الثلاث و أصبحوا أنجى الله صالحا و من آمن معه و أرسل على قرية ثمود صيحة واحدة من السماء و رجفة من الأرض، فماتوا من فورهم و صاروا كهشيم المحتضر، و هو يبس الزرع و النبات، و بقيت ديار ثمود شاهدة عليهم، قال تعالى: <<فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)>> النمل.

و هذه من القرى التي عذبها الله بكفرها و قصها الله علينا في القرآن الكريم، و الله لا يعذب قوما حتى يرسل إليهم رسولا يبين لهم و يقيم عليهم الحجة، فإن أبوا إلا الكفر و البغي أرسل عليهم العذاب، و هذه ثالث قصة للقرى المعذبة يقصها علينا الله سبحانه و تعالى.

مرور النبي ﷺ بديار ثمود و نهيه عن دخولها

عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لأصْحَابِ الحِجْرِ: <<لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ القَوْمِ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم، أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصَابَهُمْ.>> رواه البخاري و مسلم.

و الحجر هو الوادي الذي كان قوم ثمود يسكنون فيه، و لا تزال هناك ديارهم منحوتة في الجبال تدل عليهم إلى اليوم، مر بها رسول الله ﷺ بالجيش في غزوة تبوك و نهى الناس عن دخولها.

قصة صالح

هذا من علم الغيب الذي آتاه الله رسوله ﷺ، فينبغي لنا الوقوف عند أمره و لا ندخل هذه الديار، و نتعظ بما أخبرنا من شأنهم رب العزة جل و علا، و نعلم أن عذاب الله لا يتوقف على إرسال عذاب من السماء و الأرض، و إنما هناك أشكال أخرى من العذاب، و نحن في هذا الزمان لما تركنا القرآن و السنة و اغتررنا بالغرب و اتبعنا سننهم و ابتعدنا عن ديننا، هنا على الناس و فقدنا عزتنا.

ختاما

قال تعالى: <<كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ (68)>> هود، فقال عنهم: كأن لم يغنوا فيها، فهذه الحياة الدنيا زائلة منتهية، و لا تساوي عند الله جناح بعوضة، و لا يغتر قوي بقوته و لا عالم بعلمه و لا مليك بملكه، فإن الله إذا أراد أن يأخذ هذه  القوة و الملك و العلم و سائر أمور الدنيا لأخذها في رمشة عين، لكنها لما لم تساو عنده جناح بعوضة أعطاها للمؤمن و الكافر، أعطاها للمؤمن ليبتليه، و أعطاها للكافر ليمد له في غيه. نسأل الله السلامة.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و اهدنا و اغفر لنا و ارحمنا، و اكتب لنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة، و لا تجعلنا من أصحاب النار.

هذا و الله أعلم، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

قصص مشابهة

قصة سيدنا هود عليه السلام و قومه عاد الذين أخذتهم الريح العقيم

قصة سيدنا نوح عليه السلام – دعوته، السفينة، ابنه، الطوفان…

قصة سيدنا آدم عليه السلام ، خلقه ، أبناؤه ، الأحداث في حياته ، وفاته .

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة -موقع حديث للتأكد من صحة الأحاديث-

كتاب قصص الأنبياء -ابن كثير-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top