قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام – قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام

إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء هو نبي من أنبياء الله، أرسله الله في بابل، و كانت حينئذ يحكمها ملك من أعظم الملوك في التاريخ، و هو الملك النمرود، و كان من أعتى الملوك و أظلمهم، و هدى الله نبيه إبراهيم الخليل عليه السلام الفطرة من صغره كما هدى جميع أنبيائه، فلم يعبد الأصنام و كفر بها. و هو من الرسل أولي العزم، و في هذا المقال نتحدث عن قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام و أهم ما جاء فيها.

هداه الله رشده في صغره

و مما كان من شأن إبراهيم عليه السلام أن الله هداه رشده و عصمه من الشرك من صغره، فكفر بها و هو صغير، و بحث عن الرب سبحانه و تعالى بعد أن كفر بها، حتى هداه الله لصراطه و أنزل عليه الرسالة، قال تعالى في سورة الأنبياء في ذكر محاجته لقومه: << وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) >>.

فكفر بالأصنام منذ صغره و لم يعبدها، و خرج يوما محتارا، قال تعالى: << وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)>> الأنعام -75 – 79-

فخرج فنظر إلى السماء، و كان يرى الكوكب فيظن أنه ربه، و لما أفل عرف أنه ليس برب، و رأى القمر و رأى الشمس، لكنها كلها أفلت فعلم أن الله أعظم من كل هذا، فهداه الله إليه، و علم الحق من عند الله سبحانه و تعالى فجاهر قومه بأنه بريء مما يشركون.

هدمه للأصنام

و كان مما حدث في قصته عليه السلام، أنه حاج قومه في الأصنام التي يعبدونها و أنهم يعبدون ما لا ينفعهم و لا يضرهم، و أنهم لا يسمعونهم إذ يدعون، و أنهم هم و آباؤهم من الضالين، لكنهم بقوا على شركهم، فقال: تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين. فلما كان يوم عيد لهم يذهبون فيه إلى مكان واحد، تخلف عنهم و قال لهم: إني سقيم. فلما ذهبوا ذهب إلى آلهتهم المنصوبة، و وجدهم قربوا لها القرابين و وضعوا لها الطعام، فقال لها مستهزئا: ألا تأكلون؟ ما لكم لا تنطقون؟

ثم أخذ فأسا أو قدوما فكسرها جميعا إلا أكبرها، و قيل أنه وضع القدوم في يد الصنم الكبير، و لما عادوا من عيدهم وجدوا الأصنام متكسرة، فذكر بعض القوم إبراهيم عليه السلام لأنه حاجهم من قبل في هذه الأصنام، و لأنه لم يذهب معهم إلى يوم زينتهم.

فأتوا به في جمع من الناس و قالوا له: ءأنت من فعل هذا بآلهتنا؟ قال لهم: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون. فأقام عليهم حجة عظيمة، إذ أنهم كانوا يعبدون أصناما لا تنطق و لا تقدر على أن تدفع عن نفسها السوء، فلم يجدوا بما يردون عليه، و لاموا أنفسهم لأنهم تركوا آلهتهم بدون حراسة.

ثم قالوا له: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. فقال لهم: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم و لا يضركم، أف لكم و لما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون. و حاج قومه في هذه الأصنام. حينها استعملوا اسلطانهم و قالوا: حرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.

يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم

و بنوا له بنيانا عظيما من الحطب، و أشعلوا فيه نارا عظيمة و وضعوه في المنجنيق و ألقوه في تلك النار العظيمة، و هنا كانت المعجزة، أمر الله النار أن تكون بردا و سلاما على إبراهيم فقال: يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم. و قيل أن النار تأججت 40 أو 50 يوما من شدتها، ثم خرج منها سالما معافى. و هذه من معجزات نبي الله إبراهيم.

مناضرة إبراهيم –عليه السلام- مع الملك النمرود

وردت هذه المناظرة في القرآن الكريم، لكن زمنها ليس ثابتا تماما، هناك من قال أنها حدثت قبل أن يلقى في النار، و بين من قال بعد خروجه منها، و الفائدة في مضمون المناظرة و ليس في وقتها.

و مفادها أن إبراهيم عليه السلام استدعاه الملك النمرود لما ذاع صيته و عرف بين الناس، فحاجه في ربه استكبارا و علوا، و ظنا منه أنه أوتي الملك و اغتر بقوته، فقال له إبراهيم عليه السلام: ربي الذي يحيي و يميت. فقال له النمرود: أنا أحيي و أميت. فأمر جنده أن يأتوه برجلين من المحكوم عليهما بالقتل، فأمر بقتل أحدهما و عفا عن الآخر. فكأنه يحيي و يميت، و لكن هذا مغالطة و حسب، و إلا فالموت و الحياة بيد الله.

و كان من الحكمة التي آتاها الله نبيه إبراهيم، أنه انتقل في المناظرة إلى حجة أخرى أوضح و أبين، و لم يشأ أن يحاجه في الإحياء و الإماتة لألا يطيل معه و يظن بعض الحاضرين أن النمرود على حق، فقال له: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت النمرود و لم يقدر على الرد، و مع ذلك أصر على كفره و عناده و استكباره، و الله لا يهدي القوم الظالمين. و حدثت أحداث مع ذلك الملك بعد ذلك فأهلكه الله شر هلكة.

هجرة إبراهيم –عليه السلام- إلى بلاد الشام

و آمن معه لوط الذي بعث نبيا بعد ذلك في قومه، و هاجر من أرض بابل إلى الشام، الأرض التي قال عنها الله سبحانه و تعالى: إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين.

و في هجرته هذه تزوج زوجته سارة، و يقال أنها بنت ملك حران، ثم مر بأرض ملك من الجبابرة فخاف أن يأخذ منه زوجته و كانت من أحسن الناس، و سأله هذا الملك عنها فأخبره أنها أخته ليحفظها منه، و أخبرها بذلك لألا تكذبه أمام الملك، و أحاطها الله بحفظه فلم يأخذها ذلك الملك، و أعطاها جارية تدعى هاجر هدية، و قيل أنه فرعون من فراعنة مصر.

ولادة إسماعيل عليه السلام

و استقر نبي الله إبراهيم –عليه السلام- في أرض بيت المقدس، أي القدس، و استقر هناك و دعا إلى الله و كانت زوجته سارة عاقرا، فقالت له تزوج بهذه الجارية التي هي هاجر لعل الله أن يرزقنا منها الولد، فتزوجها فحملت منه و ولدت له إسماعيل عليه السلام، ثم حدث أن غارت منها زوجته سارة، و اشتكت منها إلى إبراهيم عليه السلام، فأخذها من هناك و هاجر بها و ابنها إلى جبال فاران، و هي أرض مكة المكرمة، و لم يكن بها شيء آنذاك، حتى البيت الحرام لم يكن مبنيا.

هجرته بأم إسماعيل و ابنها إلى مكة

و كان هذا من أمر الله، و الله لا يضيع، فوضعها هناك و إسماعيل عليه السلام لا زال رضيعا، و لما وضعهما جعلت هاجر تقول له: أين تذهب و تتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس و لا شيء؟ و هو لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال: نعم. فقالت: إذا لا يضيعنا.

ثم دعا و هو ذاهب: << رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) >> سورة إبراهيم.

و لم يضيع الله إسماعيل عليه السلام و أمه، فلما ضاقت بأم إسماعيل السبل و نفد زادها فجر الله لهما من الأرض ينبوعا، فجر لهما ماء زمزم الذي لم ينضب من يومها، ثم استجاب لدعوة إبراهيم عليه السلام، فجاءت قافلة من قبيلة جرهم إلى المكان فأعجبهم لما وجدوا فيه الماء، فسكنوا في بلد الله الحرام و تزوج منهم إسماعيل و تعلم منهم العربية، و من ذريته عليه السلام العرب الإسماعيلية أو كما يسمون بالعرب المستعربة، و منهم محمد ﷺ.

زيارة إبراهيم لبيت ابنه إسماعيل –عليهما السلام-

و بعد أعوام جاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة يزور تركته، و كانت هاجر قد ماتت حينها، و إسماعيل تزوج امرأة من جرهم، فلما وصل إلى البيت سأل امرأته عن ابنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم و هيئتهم فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق و شدة. و شكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام و قولي له يغير عتبة بابه. فلما عاد إسماعيل و أخبرته الخبر فهم ما يقصد أباه، فطلق زوجته و تزوج أخرى.

و لبث إبراهيم زمنا ثم أتى مكة فلم يجده، فسأل امرأته هذه عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. فسألها عن حالهم و عيشهم فقالت: نحن بخير و سعة. و أثنت على الله. فقال لها: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، و مريه يثبت عتبة بابه. و لما عاد أخبرته الخبر قال: ذاك أبي، و أنت العتبة، و أمرني أن أمسكك.

ثم لبث زمنا، و لما أتى مكة وجد ابنه فصنعا كما يصنع الوالد بولده و الولد بوالده، ثم أخبره بأن الله أمره أن يبني بيتا ههنا، و أشار إلى موضع الكعبة. فتعاونا و أقاما قواعد البيت.

قصة الذبيح

ثم رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، و رؤيا الأنبياء وحي، فكان هذا أمرا من الله سبحانه و تعالى، فما كان من إبراهيم إلا أن قال لابنه: إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى. فلم يكن من ابنه إلا أن قال له: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فكانا مطيعين لله بغير عناد و لا تردد.

فاستسلما لأمر الله و وضع إبراهيم ابنه إسماعيل على الأرض و استعد لذبحه كما تذبح البهائم، و لما وضع السكين على رقبته ناداه الله أن : يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. و فداه الله بذبح عظيم، و عاش ابنه إسماعيل.

مولد إسحاق عليه السلام

و بعد أن عاد إبراهيم عليه السلام إلى زوجته سارة، لبث زمنا ثم جاءه ضيوف، و كانوا ملائكة على هيئة بشر، فذبح لهم عجلا حنيذا، و لما طبخ لهم و قرب إليهم الطعام لم يأكلوا منه، فأوجس منهم خيفة، فقالوا له لا تخف، إنا أرسلنا إلى قوم لوط، فأخبروه أنهم رسل ربه، و أنهم أرسلوا إلى قوم لوط.

ثم بشروه و زوجته بإسحاق، فقالت زوجته: يا ويلتي ءألد و أنا عجوز؟ فقالوا: أتعجبين من أمر الله؟ و هذا من قدرة الله البالغة و أنه على كل شيء قدير.

و ولد إسحاق عليه السلام و ولد لإسحاق يعقوب، و بارك الله فيث ذرية إبراهيم عليه السلام من ابنيه إسحاق و إسماعيل، و هم اليوم من أكثر أهل الأرض.

وفاة إبراهيم عليه السلام

و عاش إبراهيم ما شاء الله أن يعيش، و اختلف في زمن وفاته و عمره و سبب موته، و الأفضل ردها إلى علم الله، ثم توفي عليه السلام، خليل الله و أبو الأنبياء و من الرسل أولي العزم، و من خير خلق الله أجمعين، أعد الله له في الجنة قصرا من لؤلؤة ليس فيه فصم و لا وهن كما ذكره رسول الله ﷺ.

<< لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) >> يوسف -111-.

مواضيع مشابهة :

قصة سيدنا آدم عليه السلام ، خلقه ، أبناؤه ، الأحداث في حياته ، وفاته .

المعجزات التي حدثت في مولد النبي ﷺ و طفولته – مولد الرسول ﷺ و طفولته

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top