قصة سيدنا شعيب عليه السلام – مع قومه مَدْيَن و عذابهم

سيدنا شعيب عليه السلام هو النبي الذي أرسله الله إلى قوم مدين، و هم القوم الذين عرفوا بأصحاب الأيكة، و هي شجرة كانوا يعبدونها من دون الله، و هو نبي عربي، قال عنه رسول الله ﷺ أنه خطيب الأنبياء، أرسله الله لهؤلاء القوم يدعوهم إلى الله و ينهاهم عن المنكرات، و كانوا يخسرون في الميزان و يقطعون الطريق و يأخذون أموال الناس بغير حق.

حال مدين قوم شعيب عليه السلام

كان قوم مدين يشركون بالله ما لم ينزل به سلطانا، و كانوا يسكنون في مدينة باسمهم تدعى مديَن، و هم قوم عرب، و هي في مكان من أطراف بلاد الشام، و كانوا يخسرون في الميزان، أي أنهم لا يعدلون في الميزان، و أنهم لا يوفون إذا وزنوا، و يقطعون السبيل و يخيفون المارة، و كانوا يعبدون شجرة تدعى الأيكة، فأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، و أخذوا أموال الناس بالباطل.

إرسال شعيب عليه السلام إليهم ليدعوهم

فأرسل الله لهم رسولا منهم، و هو شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، و ترك ما يعبد آباؤهم ما لا ينفعهم و لا يضرهم، و أن يقسطوا في الميزان و أن لا يبخسوا الناس أشياءهم، و يتركوا ما كانوا يفعلونه من أكل أموال الناس بالباطل.

و كان مما قاله لهم كما قال تعالى في سورة هود: <<وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)>>.

و جادلهم و أنذرهم و أخبرهم أنه يخاف عليهم عذاب مثل عذاب قوم نوح و قوم هود و قوم صالح عليهم السلام، و قال لهم: و ما قوم لوط منكم ببعيد. و قال المفسرون أن قوم لوط ليسوا منهم ببعيد في أفعالهم و مساكنهم و زمانهم، فقوم لوط أيضا كانوا يقطعون السبيل، و كانت مدائنهم غير بعيدة عن مدين، و كان زمانهم قريبا منهم.

تهديدهم لنبيهم شعيب عليه السلام و من آمن معه

و لما جادلهم و أكثر جدالهم و لم يجدوا كيف يردون عليه صاروا يهددونه و من آمن معه فقالوا له: <<قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)>> هود. فقالوا له أنه لولا قبيلتك و عشيرتك فينا لرجمناك، و تنكروا للحق لأنهم لا يريدونه، فقالوا: لا نفقه ثيرا مما تقول.

و توعدوه و الذين آمنوا معه أن يخرجوهم من قريتهم أو يعودون في ملتهم، قال تعالى في سورة الأعراف: <<قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا>> و هذا دأب الكافرين، إذا عرفوا الحق و استكبروا عنه هددوا الرسل و المؤمنين بالإخراج و آذوهم.

فقال لهم شعيب: <<قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ>> الشعراء.

ثم دعا شعيب عليه السلام ربه: << رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)>> الشعراء. و الله لا يرد دعاء رسله إذا استنصروه على من كذبوهم و كفروا بهم و آذوهم.

استجابة دعاء شعيب عليه السلام و إنزال العذاب بهم

و عذب الله هؤلاء القوم بعدة أصناف من العذاب، فأرسل عليهم الرجفة و الصيحة و الظلة، و هي سحابة فيها شهب من نار، و أنجى رسوله شعيبا عليه السلام و من كانوا معه من عباده المؤمنين.

و ورد عذاب أهل مدين كل صنف في سورة من القرآن، فذكرت الرجفة في سورة الأعراف، و الصيحة في سورة هود، و الظلة في سورة الشعراء، فقوم مدين هم قوم شعيب عليه السلام، و هو أصحاب الأيكة، و هو الذين أخذهم عذاب يوم الظلة.

و لما أهلكهم الله و أنجى قومه قال شعيب لهم و هم موتى كما قال تعالى بعد بيان هلاكهم في سورة الأعراف: <<فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)>>.

و يشبه هذا وقوف محمد ﷺ يوم بدر و تكليمه لقتلى المشركين الذين طرحوا في القليب و هو البئر، و هذا في الحديث الذي رواه أنس بن مالك: سمعَ المسلمونَ منَ اللَّيلِ ببئرِ بدرٍ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قائمٌ ينادي <<يا أبا جَهلِ بنَ هشامٍ ويا شيبةُ بنَ ربيعةَ ويا عتبةُ بنَ ربيعةَ ويا أميَّةَ بنَ خلفٍ هل وجدتُم ما وعدَ ربُّكم حقًّا فإنِّي وجدتُ ما وعدني ربِّي حقًّا>> قالوا يا رسولَ اللَّهِ أوَ تُنادي قومًا قد جيَّفوا؟ فقالَ <<ما أنتُم بأسمعَ لما أقولُ منهم ولَكنَّهم لا يستطيعونَ أن يجيبوا.>>. رواه النسائي و صححه الألباني.

ختاما

و قال تعالى بعد هذه القصة في سورة الأعراف: << وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)>>.

فالله لا يأخذ قوما حتى يبتليهم بالسراء و الضراء لعلهم يرجعون، و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و اجعلنا هداة مهتدين، و أدخلنا برحمتك جنتك جنة النعيم، و لا تجعلنا من القوم الضالين.

هذا و الله أعلم، و صل اللهم على نببيك محمد و على آله  صحبه أجمعين.

مواضيع مشابهة

قصة سيدنا لوط عليه السلام – فاحشة قوم لوط و عذاب الله لهم

قصة سيدنا صالح عليه السلام – قوم ثمود و عقرهم للناقة و عذابهم

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top