ماهي شروط التوبة النصوح التي تنفع صاحبها ؟ وما هي خطواتها وثمارها ودعاؤها؟

كثيرا ما نخطئ ونرتكب الآثام، فنحن بنوا آدم، وكل ابن آدم خطاء، وإنما الكمال لله، والعصمة لرسوله ﷺ، لهذا شرع الله عز وجل لنا التوبة والاستغفار من الذنوب، فالله يغفر الذنوب لمن تاب واستغفر لذنبه، فما هي التوبة النصوح؟ و ما هي شروط التوبة النصوح التي نتفع صاحبها وخطواتها؟ وما هي ثمرات التوبة النصوح؟

التوبة النصوح

التوبة النصوح هي التوبة الصادقة الجازمة التي لا عودة بعدها للذنوب والمعاصي التي كانت قبلها، وللتوبة النصوح شروط عددها العلماء خمسة شروط، وهي:

شروط التوبة النصوح التي تنفع صاحبها

  • 1: الإخلاص لله بالتوبة

  • والإخلاص لله تعالى شرط في كل عمل، والتوبة إخلاصا لله تعني أنها تكون خالصة لوجهه تعالى، لا يبتغى بها رياء الناس ولا محبتهم ولا أي شيء آخر غير وجه الله سبحانه وتعالى.
  • 2: الندم على الذنب

  • وهو الحزن والأسف على الذنب، والحسرة عليه والاعتراف به بين الإنسان ونفسه، فلا توبة لمن يرى أن ارتكابه للذنب كعدمه. وإنما التوبة لكاره الذنب الآسف عليه.
  • 3: الإقلاع عن الذنب

  • وهو ثالث شرط، بأن يقلع التائب عن الذنب الذي تاب منه فورا، فالمصر عن الذنب لا توبة له، كمثال على ذلك، شخص تاب من سماع الأغاني وهي لا تزال محفوظة في هاتفه وهو قادر على مسحها، فهذا توبته كاذبة لأنه لا زال مصرا على الأغاني ولا زال يسمعها عندما يرغب في ذلك. وإنما الصدق في التوبة بمسحها نهائيا وإغلاق كل السبل بينه وبينها.
  • رد المظالم

  • وهو داخل في الإقلاع عن الذنب كما قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى. وهذا إذا كانت المعصية في حقوق الناس، مثلا، إذا كانت المظلمة مالا رده إلى أهله، فإذا مات صاحبه رده إلى ورثته، فإذا تعذر عليه تصدق به بنية رد مظلمته، وفي الغيبة مثلا يطلب الإنسان الصفح ممن اغتابه، وحتى إن لم يحلله إلا بمال أعطاه حتى يحلله كما قال العلماء، وإذا ضرب إنسانا يذهب إليه فيقول له اضربني كما ضربتك، المهم أن يحلله وأن يتأكد من رد مظلمته.
  • 4: العزم على عدم الرجوع

  • فإذا بقي في قلبه أنه سيعود إذا سولت له نفسه فهذا كاذب، لأن التوبة إنما يكون معها العزم على عدم الرجوع، وليس العزم على عدم الرجوع كعدم الرجوع، لأن هناك بعض الناس الجهلة هداهم الله، يظنون أن من تاب ثم عاد لما كان عليه فهذا لا يستطيع أن يتوب مرة أخرى، وهذا خطأ، والصواب أن الإنسان يتوب كلما أذنب، ويعزم على عدم الرجوع، فإذا غلبته نفسه وعاد فهذا لا يغلق عليه باب التوبة، وعليه أن يتوب مرة أخرى.
  • 5: أن تكون التوبة في الوقت الذي تنفع فيه

  • وتكون التوبة نافعة إلا في حالتين: إذا حظر الإنسان الموت، أو إذا أشرقت الشمس من مغربها، وهذان الحالتان يغلق فيهما باب التوبة. والدليل عليه قوله تعالى:
  • {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} النساء.

  • وكذلك قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)} الأنعام.

  • وفي الآية قال تعالى: أو يأتي بعض آيات ربك. تعني المعجزات، ومنها ما حدث مع بعض الأقوام لما رأوا العذاب، فإذا رأوا العذاب فقد أغلق باب التوبة، مثل فرعون وقوم لوط وقوم صالح… ومنها طلوع الشمس من مغربها، هي أيضا من آيات الله في آخر الزمان، وهي من علامات الساعة الكبرى.

خطوات التوبة النصوح

وعند قراءتنا لشروط التوبة النصوح تتبين لنا خطوات التوبة النصوح، وليس هناك خطوات معينة عامة، وإنما الشروط هي العامة، فخطوات التوبة تختلف بحسب الذنب المرتكب، فإذا كان ذنبا كبيرا فيه شرك وكفر بالله جل وعلا، فأول خطوة هي الدخول في الإسلام من جديد بنطق الشهادتين ثم الاغتسال والصلاة وهكذا.

وإذا كان ذنبا فيه معصية متكررة فعلى الإنسان أن يقلع عنها أول الأمر ويسد الطريق بينه وبينها، وهكذا، فالإنسان أعلم بحاله، وهو أعلم بما عليه فعله، ومن يقول أنك يجب أن تنطق الشهادتين بحضرة إمام أو عالم أو شيء من هذا القبيل فهذا ليس بشرط، وليس له صلة بالإسلام، وإنما هو من تقاليد النصارى الذين يعترفون للقسيسين…

فما على الإنسان أن يقر بذنبه بينه وبين نفسه، ويقلع عنه إما بالتوقف عن فعله إذا كان ذنبا فعليا، وإذا كان ذنبا فيه ترك لأمر مثل ترك الصلاة فعليه أن يعود للصلاة ويعزم على عدم تركها مرة أخرى عزما صادقا.

وعلى الإنسان أن يكثر من الاستغفار والتوسل لله والتضرع له والدعاء، ويتبع توبته بالأعمال الصالحات بنية تقبل التوبة، مثل الصدقة والصلاة والصيام وإعانة المحتاج… كل هذا من التوبة النصوح.

ثمرات التوبة النصوح

للتوبة النصوح ثمرات جليلة عظيمة لا تعد ولا تحصى بإنفاق مثل ماء البحر حبرا على مثل ما في الأرض من شجر لإحصائها، فالله يحب العبد التائب ويفرح به فرحا عظيما، وإذا أحب الله عبده فقد أفلح. ومن أعظم آثار التوبة وثمراتها الجليلة:

  • أن من تاب وآمن وعمل صالحا يبدل الله سيئاته حسنات، وهذا كما قال تعالى في القرآن العظيم بعد أن عدد بعض الذنوب:
  • {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)} الفرقان.

  • أن التائب قد يرفعه الله إلى منزلة فوق المنزلة التي كان فيها قبل معصيته، مثل ما كان من أبينا آدم عليه السلام، إذ قال تعالى عنه:
  • {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122)} طه.

  • فرحة الله الشديدة بتوبة عبده، وهذا في الحديث الذي ثبت عن النبي ﷺ:
  • { واللهِ ، للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من رجلٍ كان في سفرٍ ، في فلاةٍ من الأرضِ ، فأوى إلى ظلِّ شجرةٍ فنام تحتها ، واستيقظ فلم يجدْ راحلتَه ، فأتى شَرفًا فصعد عليه ، فلم ير شيئًا ، ثم أتى آخرَ ، فأشْرَفَ فلم يرَ شيئًا ، فقال : أرجعُ إلى مكاني الذي كنتُ فيه ، فأكونُ فيه حتى أموتَ ، فذهب ، فإذا براحلتِه تجرُّ خِطامَها ، فاللهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من هذا براحلتِه} صححه الألباني.

  • أن قلب المؤمن التائب يعود بعد التوبة أقرب إلى الله، وأكثر حبا له، وأكثر إقبالا على الطاعات، وأكثر استشعارا لحلاوة الإيمان والطاعة، وأكثر شوقا لله سبحانه وتعالى.
  • أن الإنسان يطمإن بعد التوبة من وحشة الذنوب وكدرها، ويجد حلاوة في صدره لا يجدها غيره.

دعاء التوبة النصوح

ليس هناك دعاء مخصوص بالتوبة، وإنما أيا كان ما دعا به المؤمن فهو طيب نافع إن شاء الله تعالى، وإنما ما يجب أن يكون هو النية الصادقة الخالصة، وللإنسان أن يدعو بما يعرف من الأدعية حتى ولو بلهجته أو بلغته، ولمن كان يعرف الأدعية المأثورة ويفهمها فهذا أفضل له، لأنها أدعية الأنبياء والرسل. ومن هذه الأدعية:

  • دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
  • دعاء رسول الله الذي يكثر منه ويقوله كل يوم: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه.
  • سيد الاستغفار،وهو أن تقول كما قال رسول الله ﷺ:
  • سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: {اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ} رواه البخاري.

ختاما

الله يغفر الذنوب جميعا، وقد قال في محكم تنزيله:

{  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} الزمر.

فالله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها توبة نصوحا صادقة،

وعلى الإنسان أن لا ييأس من روح الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

اللهم ارزقنا توبة نصوحا صادقة خالصة لوجهك الكريم، وأعنا على عبادتك حق عبادتك، واهدنا واهد بنا، وارحمنا واغفر لنا ولا تجعلنا مع القوم الكافرين.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة -موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

فتاوي الشيخ ابن العثيمين رحمه الله

فتاوي الشيخ ابن باز رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top