قصة سيدنا موسى عليه السلام – الجزء الثاني: قصته مع فرعون

توقفنا في الجزء الأول، و هو قصته قبل بعثته، عندما سار موسى عليه السلام من مدين عائدا إلى مصر و بلغ جبل طور سيناء فأبصر نارا فترك أهله و ذهب يتقصى أمر النار، و لما بلغها نودي من شاطئ الواد الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا ربك.

و نكمل إن شاء الله في هذا المقال مع قصته عليه السلام خروجه بقومه من مصر.

تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام و إرساله لفرعون

و لما بلغ موسى كما قلنا تلك النار نودي من شاطئ الواد الأيمن الذي سماه الله في القرآن بوادي طوى، قال له تعالى كما قال في سورة طه: <<فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17)>>.

فانظر إلى خطابه تعالى لرسوله، و هو خطاب عظيم، و قال له أن الساعة آتية، و هذا في زمان موسى عليه السلام، و سأله ما تلك بيمينك؟ و الله يعلم ما بيمينه لكنه يسأله ليتكلم.

فقال موسى عليه السلام: هي عصاي أتوكأ عليها و أهش بها على غنمي و لي فيها مآرب أخرى. فقال له تعالى: <<أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19)>> فألقاها موسى عليه السلام فإذا هي حية عظيمة تسعى، فقال له تعالى: << خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (24)>>

فسأل موسى ربه أن يشرح له صدره و ييسر أمره، و أن يرسل معه أخاه هارون وزيرا معه من أهله، و أن يشركه في أمره و يشد به أزره و يقويه، و أن يحل عقدة من لسانه حتى يفقه الناس قوله، و سؤاله أن يحل عقدة من لسانه بسبب اللثغة التي كانت في لسانه، و التي تحدثنا عنها في المقال السابق، فكان ألثغا لا يفهم كلامه جيدا.

فاستجاب له الله و قال له: <<قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ……… وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)>> طه.

فاستجاب الله دعوته و أخبره أن من عليه مرة أخرى بعد أن من الله عليه أول مرة بأن أنجاه من بطش جنود فرعون بالإيحاء لأمه أن تضعه في اليم ثم يلتقطه آل فرعون و تبحث عنه أخته… كما ذكرنا في الجزء الأول.

و أمره أن يذهب هو و أخوه هارون إلى فرعون و أن يدعواه و يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى.

و أرسل الله سبحانه و تعالى مع موسى عليه السلام أخاه هارون نبيا، و أمرهما أن يذهبا إلى فرعون، و قالا لله على لسان موسى: ربنا إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى. فقال تعالى لهما: <<فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (48)>> طه.

و حوار موسى عليه السلام مع ربه وارد بعدة صيغ في القرآن الكريم، و فيه عدة تفاصيل اقتصرنا على أهمها.

ذهاب موسى و هارون عليهما السلام إلى فرعون

و ذهب موسى و هارون عليهما السلام إلى فرعون فدعياه لله كما أمرهما، و قالا له أنهما رسولا ربه، و أقاما عليه الحجج البينة، و جادلهما في الله و قال لموسى: ألم نربك فينا وليدا و لبثت فينا من عمرك سنين و فعلت فعلتك التي فعلت و أنت من الكافرين. أي الكافرين بي، و كما علمنا فكان فرعون متخذا نفسه إله من دون الله.

و لما أقاما عليه الحجج البينة أن الله خالق السماوات و الأرض و أنه إله واحد، و م يجد بما يرد عليهما عمد إلى الإنكار و الاستكبار و العناد و استعمال السلطان و السطوة، و قال لهما: لإن اتخذت إلها غيري لتكونن من المسجونين. فهددهما و توعدهما، فقال له موسى: أولو جئتك بشيء مبين؟ فقال فرعون: فأت به إن كنت من الصادقين. فألقى موسى عليه السلام عصاه فإذا هي ثعبان مبين! و نزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين!

و كان هذان برهانان من ربه آتاهما الله لموسى ليؤيده بهما، و هما العصى و اليد، و هذا من المعجزات الخارقة التي يعطيها الله أنبياءه ليبينوا للناس أنهم ليسوا بشرا عاديين، و أنهم مرسلون من الله رب العالمين.

و لما رأى فرعون الآيات كذب و تولى و وصف موسى بأنه ساحر، و تحداه أن يجمع له السحرة ليغلبوه بسحرهم، و جعلوا موعدهم يوم الزينة، و هو يوم عيد عندهم يجتمع الناس فيه في مكان واحد.

لقاء موسى عليه السلام مع السحرة

و لما كان يوم الزينة أتى سحرة فرعون و أتى موسى عليه السلام، و وعد فرعون السحرة بالأجر الكثير و بأن يجعلهم من المقربين إليه إن هم غلبوا موسى عليه السلام، و قالوا لموسى: إما أن تلقي و إما أن نكون نحن الملقين. فقال لهم: بل ألقوا.

فألقى السحرة حبالهم و عصيهم و قالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. و كانت هذه الحبال و العصي تخيل لموسى و للناس أنها تسعى من سحرهم، و هذا هو السحر، ما هو إلا خداع للأبصار و ما هو بحقيقة. و لما رأى موسى ذلك أوجس في نفسه خيفة، فقال له تعالى معززا: لا تخف إنك أنت الأعلى.

فألقى موسى عصاه فتحولت إلى الثعبان العظيم فإذا هي تلقف كل ما ألقاه هؤلاء السحرة، فلما رأى السحرة ما كان من موسى علموا أنه ليس بسحر، و علموا أنما القادر على هذا ليس بساحر، فألقوا سجدا و قالوا: آمنا برب موسى و هارون.

فألقي في قلوبهم الإيمان لما رأوا الحق و أيقنوا به، فآمنوا بربهم و تركوا ما كانوا يعملون، فقال لهم فرعون: آمنتم له قبل أن آذن لكم! إنه لكبيركم الذي علمكم السحر. و أمر بأن تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و أن يصلبوا في جذوع النخل.

فقالوا له: <<قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)>> الشعراء. فكان إيمانهم يحملهم على عدم الخوف من العذاب و الموت في الدنيا، بل كانوا يطمعون بصبرهم أن يغفر لهم ربهم خطاياهم لأنهم أول من آمن لموسى و هارون.

و هذا شرف عظيم لهم. و قصه الله عنهم في القرآن العظيم، و هؤلاء من أهل حسن الخاتمة، حياتهم كانت مليئة بالكفر و الشرك، و لكن خاتمتها أنهم آمنوا بالله و رسوله و صبروا على الأذى فجزاهم الله خير الجزاء.

اشتداد الإيذاء و العذاب على بني إسرائيل بعد حادثة السحرة

و بعد هذه الحادثة العظيمة، زهر أمر موسى عليه السلام في مصر و عرفه الناس، و ما كان من فرعون و قومه إلا أن تولوا و زادوا كفرا على كفرهم، و صاروا ينزلون ببني إسرائيل الأذية و العذاب أكثر من ذي قبل، حتى قال بنوا إسرائيل لموسى عليه السلام: أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا.

و هذا حال أي داع لله حين ظهوره، كما حدث مع رسول الله ﷺ، ما إن ظهر أمره في مكة و جاهر بدعوته إلا و قد ناله ما ناله من الأذى هو و من آمن معه، و كذلك موسى و بنوا إسرائيل.

فصاروا يقتلون أبناءهم و يستحيون نساءهم، و قالوا: و إنا فوقهم قاهرون. و وعظ موسى عليه السلام قومه و أوصاهم بالصبر و الصلاة و الاستعانة بالله، و أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، و أن العاقبة للمتقين. و هذه سنة الله في الأرض، يمتحن عباده بالشدة و الرخاء، و هنا ابتلى بني إسرائيل بالشدة، و امتحن فرعون و قومه بالرخاء.

توعد فرعون بقتل موسى عليه السلام

و توعد فرعون و أراد أن يقتل موسى عليه السلام، فقال لقومه: <<وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)>> غافر. فصار فرعون داعيا للكفر مدافعا عنه، خائفا على قومه من أن يبدل موسى دينهم، رائيا أن ما يدعو إليه و ما يقوم به فساد في الأرض، و هذا غاية الكفر و التمادي في الظلم.

مؤمن آل فرعون

و عندها خرج مؤمن آل فرعون عن صمته، و هو الذي تحدث عنه تعالى في القرآن، فقال لهم: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ و كان هذا الرجل مؤمنا يكتم إيمانه، و هو من القلائل الذين آمنوا من قوم فرعون لموسى عليه السلام، و الله يعلم كم منهم آمنوا، قيل أنهم اثنان و قيل ثلاثة. منهم هذا الرجل و آسية امرأة فرعون و قيل أن الرجل الذي نصح موسى بالخروج لما قتل القبطي هو الثالث، و قيل أنه هو نفسه هذا الذي كان يكتم إيمانه.

و قال تعالى في سورة يونس: <<فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ>>، قال المفسرون، يقصد بهذه الآية ذرية من قوم فرعون.

و أجاب فرعون على موعظة هذا الرجل المؤمن: لا أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد. فصار فرعون يقول لهم: أنا الذي على الحق، و سبيلي هو سبيل الرشاد. فظن فرعون أنه هو المهتدي.

و بقي موسى عليه السلام ما شاء الله يدعو فرعون و قومه إلى الله و يصبر على أذاهم هو و قومه، لكن الذين كفروا طبع على قلوبهم فهم لا يؤمنون، و أرسل الله عليهم آيات أخرى بينات لعلهم يرجعون، فابتلاهم بالسنين و نقص الثمرات، و كانوا إذا أصابتهم الحسنة يقولوا لنا هذه، و إذا أصابتهم السيئة يطيروا بموسى و قومه و تشاءموا بهم، و قال تعالى: ألا إنما طائرهم عند الله.

و أمر الله موسى و من معه أن يتخذوا لأنفسهم بيوتا بمصر غير بيوت القبط، و أن يجعلوها قبلة، قيل حتى يكثروا فيها من الصلاة و لا يخرجوا منها كثيرا لشدة الأذية، و قيل متقابلة بعضها لبعض. و حتى يهربوا لما يأتيهم أمر الله.

إرسال الآيات لقوم فرعون

و قالوا لموسى مستكبرين مستمسكين بالباطل: مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فوعدوه أنهم لن يؤمنوا معه مهم أتاهم بالآيات. و أرسل الله عليهم بعد ذلك آيات مفصلات متتاليات، فأرسل عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم.

  • الطوفان

  • قال بعض المفسرين أنه الفيضانات حتى تلفت الزروع و الأراضي فصارت غير صالحة للزرع، و قال بعضهم أنه الطاعون أو الموت، و الثابت أن الطوفان أمر يطوف بالناس. فلما أوشكوا أن يهلكوا قالوا لموسى: ادع لنا ربك لإن كشف عنا الرجز لنؤمنن لك و لنرسلن معك بني إسرائيل، فلما دعا الله و كشف عنهم كفروا و تولوا.
  • الجراد

  • و هو الحشرة المعروفة، و هي التي تأتي في أسراب عظيمة فتأكل كل شيء من زروع و طعام و غيره، و أهلكهم الجراد و ضاقوا به ذرعا، فعادوا لموسى فسألوه أن يدعو ربه و يؤمنوا معه، فلما كشف عنهم تولوا و كفروا.
  • القمل

  • و هو الحشرة الصغيرة التي تعلق في جلد الإنسان و ملابسه و غير ذلك، فلما كثر عليهم و أنهكهم سألوا موسى أن يدعو ربه كما سألوه من قبل، فلما كشف عنهم تولوا.
  • الضفادع

  • و أرسل الله عليهم الضفادع حتى قيل أنها كانت في طعامهم و ألبستهم و كل مكان، فلما ضاقوا بها سألوا موسى مرة أخرى، فلما كشف عنهم تولوا و كفروا مرة أخرى.
  • الدم

  • و أرسل الله عليهم الدم فصاروا إذا ما استسقوا ماء وجدوه دما، و لم يجدوا ما يشربون و بما يغتسلون، فكان كل شيء دما. فسألوا موسى أن يدعو ربه و يؤمنوا معه و يرسلوا معه بني إسرائيل. و لما كشف عنهم تولوا مرة أخرى.

و كانت كل هذه الآيات لا تصيب بني إسرائيل، فكان بنوا إسرائيل سالمين من كل هذا. و لما بلغوا هذا المبلغ من الكفر و الجحود دعا موسى عليه السلام ربه، و الله لا يرد دعوة رسله، و هذا شأن كل الأقوام الذين عذبهم الله.

دعاء موسى عليه السلام على فرعون و قومه

قال موسى عليه السلام: <<وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)>> يونس.

فلما دعا ربه استجاب له و أمرهم أن يخرجوا من مصر، و لما هموا بالخروج عرف فرعون بذلك فأرسل في المدائن فحشر جيشا كثيرا يتبع به بني إسرائيل، يريد أن ينتقم منهم. و هرب بنوا إسرائيل مع نبيهم حتى أدركوا البحر و أدركهم فرعون عنده صباحا عند شروق الشمس، فتراءى الجمعان.

و خاف أصحاب موسى و أصابهم الذعر من فرعون و جنده، فقالوا لموسى: إنا لمدركون. فقال موسى: كلا إن معي ربي سيهدين. و لما اقترب القوم منهم و بلغت القلوب الحناجر و ظنوا أنهم قد هلكوا أوحى الله لموسى أن يضرب بعصاه البحر.

انشقاق البحر لبني إسرائيل

فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق نصفين و مهد الله لهم مسارا في وسط البحر، و كان كل فرق من البحر كالسور العظيم، و هذا من أعظم الآيات التي أعطاها الله لموسى عليه السلام.

و مشى موسى عليه السلام و قومه في هذا المسار الذي قيضه الله لهم، و جعله الله يابسا فلا تعلق فيه الأرجل، و اتبعهم فرعون و جنوده، و اراد موسى أن يضرب البحر لما جاوزه هو و قومه فأوحى الله إليه أن اترك البحر رهوا. أي لا تعده غلى حاله.

غرق فرعون و قومه في البحر

فلما دخل فرعون و قومه حتى دخلوا جميعهم أمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فأطبق عليهم البحر فصاروا من المغرقين.

و لما أدرك فرعون الغرق و علم أنها النهاية و علم أنه كان على الباطل قال: <<آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)>> يونس.

لكن هذا كان متأخرا، و قال تعالى بعد هذا: <<آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)>> يونس. و هذه سنة الله في الأرض، أن الناس إذا أدركهم العذاب و علموا أنه لا منجى لهم قالوا إننا مؤمنون، و لكن هذا حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.

و يشبه هذا قوله تعالى عن الأمم الذين عذبهم: <<فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)>> غافر.

فالإيمان لا ينفع الإنسان إذا ما رأى بأس الله و أدركه الهلاك. و الله المستعان.

و حدث هذا النصر لموسى عليه السلام و قومه من بني إسرائيل و من آمن معه من القبط يوم عاشوراء، و لهذا لما أتى الرسول ﷺ المدينة المنورة وجد اليهود يصومون عاشوراء، و هو العاشر من محرم، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. قال النبي ﷺ: (أنتُمْ أحَقُّ بمُوسَى منهمْ فَصُومُوا.) رواه البخاري.

كانت هذه هي نهاية الجزء الثاني من قصة موسى عليه السلام، و نتحدث في مقال لاحق إن شاء الله تعالى عن قصة موسى عليه السلام مع قومه بعد هلاك فرعون.

هذا و الله أعلم، و صل اللهم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين.

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top