هجرة الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة ،أحداث الهجرة النبوية ومعجزاتها

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، ونزل عليه الكتاب المبين، وأيده بنصره في العالمين، رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه، أرسله الله في قومه فكذبوه وآذوه، بعثه الله في مكة المكرمة فآذاه قومها بشتى أنواع الأذية وأخرجوه منها، حتى أوحى له ربنا تبارك وتعالى بأن يهاجر وأذن له بالخروج. فهاجر ﷺ من مدينته التي هي مسقط رأسه إلى المدينة التي سميت فيما بعد بالمدينة المنورة، وهي يثرب. في هذا المقال إن شاء الله، سنتحدث عن هجرة الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة وأهم الأحداث التي حدثت فيها.

تعريف الهجرة النبوية

الهجرة النبوية هي حدث تاريخي حدث في زمن رسول الله محمد ﷺ، ويقصد به هجرته ﷺ هو وأصحابه من مكة المكرمة إلى يثرب، والتي سميت بعد أن هاجر إليها بالمدينة المنورة، وقد هاجروا بسبب اشتداد الأذية من قبيلتهم قريش.

أسباب الهجرة النبوية

إن هجرة رسول الله ﷺ لم تكن مجرد عرض طارئ طرأ عليه ﷺ، وإنما كانت نتيجة لعدة أسباب تتابعت وتراكمت، وتنفيذا لتخطيط مدة زمنية، فقد خطط رسول الله ﷺ لهذا الحدث الكبير وانتظر إذن الله جل وعلا، فما إن أذن له الله حتى خرج من مكة المكرمة، وأهم الأسباب التي هاجر من أجلها النبي ﷺ من مكة إلى المدينة المنورة:

إيذاء المشركين للنبي ﷺ و للصحابة

• حيث اشتدت الأذية عليه ﷺ وعلى أصحابه، فقد كان المشركون أعداء الله يحاربون الإسلام بشتى الطرق، فكانوا يستهزؤون به ﷺ ويكذبونه ويؤذونه ويضربون أصحابه ويعذبونهم، والقصص في هذا الشأن كثيرة جدا.

إعراض المشركين عن دين الله

• وكذلك فإن المشركين وخاصة كبار قريش أعرضوا عن دين الله ورفضوه رفضا قاطعا، بل ونصبوا له العداء وصاروا يعملون ليلا ونهارا لإسقاط هذه الدعوة، وهذا من شأنه أن يمنع ظهور الإسلام إذا بقي بينهم رسول الله ﷺ ما داموا هم سادة قريش وكبرائها.

بيعة العقبة

• وبيعة العقبة حدث مشهور جدا في سيرة رسول الله ﷺ، وبيعة العقبة هذه بيعتان: الأولى والثانية، أو كما تعرفان أيضا: الصغرى والكبرى.

بيعة العقبة الصغرى

• وملخصها أن ستة من أهل يثرب أسلموا في موسم حج السنة 11 من بعثة النبي ﷺ، وواعدوا رسول الله ﷺ أن يبلغوا رسالته في يثرب في قومهم، وفي السنة التالية جاء اثنا عشر رجلا، منهم خمسة من الذين أسلموا في السنة الفائتة، واتصلوا برسول الله ﷺ والتقوا به عند العقبة بمنى فبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئا، وأن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، وأن لا يعصوا رسول الله ﷺ في معروف، وأن من وفى منهم فأجره على الله، ومن فعل شيئا من هذه المنهيات فعوقب به في الدنيا كان عقابه ذلك له كفارة، ومن ستره الله حين فعله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه. وهذه كانت بيعة العقبة الصغرى، أو بيعة العقبة الأولى.

بيعة العقبة الكبرى

• ولما بايعوه على ذلك أرسل رسول الله ﷺ مع هؤلاء النفر صحابيا جليلا من السابقين الأولين، وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه، أرسله مع هؤلاء الأنصار حتى ينشر دين الله في أهل يثرب ويعلمهم الإسلام. فما كان العام التالي إلا وقد حضر من الأوس والخزرج بضع وسبعون نفرا كلهم مسلمون، جاؤوا ضمن حجاج قومهم من المشركين، ولما وصلوا مكة جرت بينهم وبين رسول الله ﷺ اتصالات سرية، اتفقوا فيها على الاجتماع في أوسط أيام التشريق عند العقبة حيث الجمرة الأولى في منى، وتم هذا الاجتماع ليلا في الظلام سرية. وكل هذا وهم يخفون أمر إسلامهم عن قومهم.
• فبايع الأنصار رسول الله ﷺ عند العقبة على: السمع والطاعة في النشاط والكسل (أي في الحرب والسلم)، والنفقة في العسر واليسر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى القيام في الله لا تأخذهم في الله لومة لائم، وعلى نصر رسول الله ﷺ إذا قدم إليهم، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم. ولهم الجنة.
• وهذه البيعة كانت على مستوى كبير من الخطر، إذ أن من شأنها أن تساهم في تغيير مجرى التاريخ، وقد حدث.
• وقد كان لبيعة العقبة الكبرى والصغرى الأثر الكبير والدور المهم في وقوع الاختيار على يثرب كوجهة للهجرة، فقد آمن منهم نفر كثير وبايعوا رسول الله ﷺ على أن يحموه مما يحمون منه أنفسهم.

المهاجرون إلى المدينة من الصحابة

• هجرة عدد كبير من مسلمي قريش إلى يثرب قبل هجرة رسول الله ﷺ، وقد كان عددا كبيرا أكثر بكثير من الذين هاجروا إلى الحبشة.

• وقد اجتمع كبار قريش في دار الندوة لما رأوا من أمر هجرة أصحاب رسول الله ﷺ إلى يثرب، فأدركوا أنه إن نجح في الخروج من مكة إلى المدينة ظهر أمره ونصره أهل يثرب من الأوس والخزرج، فاجتمعوا يتشاورون في أمره، يريدون القضاء على هذا الدين الجديد في عقر داره.
• وبعد أخذ ورد ونقاشات، تم الاتفاق على الرأي الذي اقترحه عدو الله أبو جهل، فقد قال:

• الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا، ثم نعطي كل واحد سيفا صارما، ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه، فيتفرق دمه في القبائل، فلا يستطيع بنوا عبد مناف (عشيرة رسول الله ﷺ) أن يحاربوا قومهم جميعا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها.

• وقد كانت خطة خبيثة ماكرة جدا، وهكذا يخطط أعداء الله، لكن هؤلاء يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.

مراحل الهجرة النبوية

• 1: الخروج من مكة في هجرة الرسول ﷺ

إذن الله لنبيه محمد ﷺ بالهجرة من مكة إلى المدينة

ولما خطط هؤلاء هذا التخطيط الخبيث، وعزموا على تنفيذه أوحى رسول الله ﷺ لنبيه وأنبأه بما يمكرونه، وأذن له في الخروج، ولما كان اليوم الذي يسبق ليلة خروجه، ذهب إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حر الظهيرة، فلما وصل إلى بيت أبي بكر أخبره مخبر بذلك وكان في البيت، فقال رضي الله عنه:

ما جَاءَنَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذِه السَّاعَةِ إلَّا لأمْرٍ حَدَثَ

فاستأذن النبي ﷺ أبا بكر في الدخول فأذن له، فقال له ﷺ: {أخْرِجْ مَن عِنْدَكَ} فقال له أبو بكر: {يا رَسولَ اللَّهِ إنَّما هُما ابْنَتَايَ} يعني عائشة وأسماء، فلما دخل ﷺ قال: {أشَعَرْتَ أنَّه قدْ أُذِنَ لي في الخُرُوجِ} فقال أبو بكر: {الصُّحْبَةَ يا رَسولَ اللَّهِ} فقال له ﷺ: {الصُّحْبَةَ}. فقال أبو بكر رضي الله عنه: {يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ عِندِي نَاقَتَيْنِ أعْدَدْتُهُما لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إحْدَاهُمَا} فقال ﷺ: {قدْ أخَذْتُهَا بالثَّمَنِ}. هذا الحوار الذي جرى روته عائشة رضي الله عنها في حديث رواه البخاري.

وقد انتظر رسول الله ﷺ الإذن من الله تعالى في الخروج ولم يخرج قبل ذلك، رغم أن أبا بكر رضي الله عنه قد تجهز للخروج من قبل ذلك فقال له النبي ﷺ:

{علَى رِسْلِكَ؛ فإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لي}. رواه البخاري.

ثم عاد رسول الله ﷺ إلى بيته ينتظر الليل.

تطويق المشركين لبيت رسول الله ﷺ

وطوق المشركون أعداء الله بيته ﷺ في تلك الليلة كما أبرموا في دار الندوة، واختاروا لذلك 11 رجلا من أكابرهم وهم: أبو جهل بن هشام، الحكم بن العاص، عقبة بن أبي معيط، النضر بن الحارث (وهو من ألقى على ظهر رسول الله ﷺ سلا الجزور)، أمية بن خلف، زمعة بن الأسود، طعيمة بن عدي، أبو لهب، أبي بن خلف، نبيه بن الحجاج وأخوه منبه بن الحجاج.

فاجتمعوا عند باب بيته ﷺ يرصدونه متى نام يهجمون عليه، وباتوا متيقظين ينتظرون أن تحين الفرصة المناسبة، وأمام هذا المكر الخبيث من المشركين، حكم الله مشيئته، وأنفذ مكره، والله خير الماكرين، كما قال تعالى:

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال:30] .

ومع استعداد هؤلاء الشلة من المشركين، أمر رسول الله ﷺ عليا رضي الله عنه بأن ينام على فراشه وأن يتغطى ببردته، ووعده أنه لن يحصل له شيء يكرهه منهم. ففعل رضي الله عنه.

ثم خرج رسول الله ﷺ من بيته، وهنا نفذ مكر الله، حيث أن الله أغشاهم فناموا فلم يروا رسول الله ﷺ. فخرج رسول الله ﷺ واخترق صفهم، وأخذ حفنة من التراب وجعل يمشي ويذريه على رؤوسهم وهو يتلو قوله تعالى:

وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس.

فلم يبق رجل من القوم إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم ذهب إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، وخرجا من باب خلفي حتى لا يدركهما الناس، ومشيا في اتجاه اليمن عكس اتجاه المدينة المنورة حتى لا يتوقع المشركون تحركاتهم، حتى وصلا إلى الغار الذي يعرف بغار ثور، ويبعد عن المدينة المنورة أقل من 10 كلم.

أما المشركون فقد بقوا مترصدين عند بيت رسول الله ﷺ لم يعلموا أنه قد خرج، حتى جاء رجل لم يكن معهم فسألهم: ماذا تنتظرون؟ فقالوا: محمدا. فقال لهم:

خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم، وذر على رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته.

فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وتطلعوا من شقق الباب فرأوا عليا في مكان رسول الله ﷺ فظنوا أنه هو، فلم يصدقوا الرجل وبقوا مكانهم حتى الصباح، فقام علي من الفراش فسألوه عن رسول الله ﷺ فقال لهم: لا علم لي به. فعلموا أنه قد أفلت من قبضتهم.

متى كانت هجرة الرسول ﷺ

وكان هذا ليلة الجمعة 27 من شهر صفر من السنة 14 من البعثة النبوية، أول سنة هجرية، الموافق لـ: 12/13 من شهر سبتمبر سنة 622 م.

• 2: مرحلة المكوث في الغار في هجرة الرسول ﷺ

• 3: مرحلة الارتحال إلى يثرب في هجرة الرسول ﷺ

وقد كان رسول الله ﷺ وصاحبه استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي، وكان دليلهما في الرحلة وكان مشركا، فسلما إليه راحلتيهما قبل الخروج من مكة على أن يلتقوا به بعد ثلاث أيام عند غار ثور.

وليلة الإثنين من ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة (سبتمبر 622م) جاء عبد الله بن أريقط إليهما بالراحلتين. وارتحل رسول الله ﷺ وأبو بكر رضي الله عنه ومعهم الراعي عامر بن فهيرة، وأخذوا طريق الساحل يرشدهم عبد الله بن أريقط.

من هو الشخص الذي لحق بالرسول ﷺ ليحصل على مكافأة قريش

وكان الشخص الوحيد الذي وجد لهما أثرا هو سراقة بن مالك المدلجي، حيث أنه لحقهما بفرسه، وكان أبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات للخلف، فلما رأى سراقةَ من بعيد قال لرسول الله ﷺ: أُتِينا يا رسول الله. فقال له ﷺ:

لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ معنَا

فدعا عليه النبي ﷺ، فسقطت به فرسه إلى بطنها (دخلت سيقانها الأمامية في الأرض)، وكان كلما أراد اللحاق بهما ارتطمت به فرسه إلى الأرض، فشك أنهما قد دعيا عليه، فنادهما بالأمان فتوقفا، فركب فرسه حتى لحقهما، قال سراقة حين روى القصة:

ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

فلما وصل إليهما قال لرسول الله ﷺ أن قومه قد وضعوا على رأسهما مكافأة وما يريد بهم الناس وما إلى ذلك، وعرض عليهما أن يزودهما بالزاد والمتاع فلم يطلبا منه إلا أن يكتم أمرهما عن الناس، وسأل سراقةُ رسولَ الله ﷺ أن يكتب له كتاب أمن، فأمر رسول الله ﷺ عامر بن فهيرة فكتب له وأكملا مسيرهما.

ولما رجع للناس خلفه خذَّلهم عن النبي ﷺ وأخبرهم أنه لا يوجد شيئ في تلك الناحية، فكان في الصباح من الباحثين عنهما، وصار في المساء حارسا عليهما، وقد أسلم سراقة بن مالك رضي الله عنه فيما بعد.

معجزة شاة أم معبد

ومما حدث في أثناء هجرة النبي ﷺ القصة الشهيرة في خيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة عجوزا تعيش في البادية هي وزوجها تطعم وتسقي من مر بها، وكانت تلك السنة جافة، فلما وصل إليها رسول الله ﷺ وصاحبه كانت عندها شاة واحدة ليس فيها شيء من لبن، فاستأذنها رسول الله ﷺ في أن يحلبها فأذنت له.

فمسح رسول الله ﷺ ضرع الشاة بيده الشريفة وسمى الله ودعا، فحلبها فأدرت، وطلب إناء فحلب فيه حتى امتلأ فسقا أم معبد حتى رويت، وسقى أصحابه حتى شبعوا، وشرب منه ﷺ وحلب فيه مرة أخرى حتى امتلأ ثم انصرفوا. والقصة أوردها ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد، ومن العلماء من صححها ومنهم من حسنها.

ثم في الطريق التقوا بالزبير بن العوام رضي الله عنه وهو في ركب من المسلمين كانوا تجارا بالشام، فكسا رضي الله عنه رسول الله ﷺ وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه ثيابا بيضاء.

• 4: مرحلة: في قباء في هجرة الرسول ﷺ

نزول الرسول ﷺ في قباء

ونزل ﷺ في قباء يوم الإثنين 8 ربيع الأول من السنة الأولى من الهجرة، التي هي السنة 14 من النبوة، وكان يوم وصوله ﷺ يوما عظيما مشهودا لم تشهد يثرب مثله في تاريخها، فقد كان أهل المدينة يخرجون كل يوم إلى الحِرَّة (بكسر الحاء، وهي ضواحي المدينة) فينتظرون رسول الله ﷺ حتى تصل الظهيرة فيعودون من الحر، وفي اليوم الذي وصل فيه رسول الله ﷺ كانوا قد عادوا بعد أن أطالوا الانتظار، وبينما هم في بيوتهم رأى يهوديّ رسول الله ﷺ وأصحابه من بعيد، فنادى بأعلى صوته وقال:

يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون.

فخرجوا للقاء رسول الهدى، البدر المشرق، السراج المنير، محمد صلوات ربي وسلامه عليه، خرجوا في موقف مهيب عظيم تعلو أصواتهم بالتكبير، فلقوه يحيونه بتحية النبوة واجتمعوا حوله ﷺ.

ونزل في بادئ الأمر في قباء، وزحفت المدينة كلها في ذلك اليوم المشهود لاستقباله ﷺ، ولحقه علي بن أبي طالب في ذلك اليوم بعد أن أقام بمكة ثلاثة أيام رد فيها الودائع والأمانات لأصحابها.

وأقام رسول الله ﷺ في قباء 4 أيام، وأسس فيها مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى في الإسلام، فأسسه وصلى فيه ﷺ، ثم في يوم الجمعة جاء أمر الله بالتحرك من قباء.

• 5: الدخول إلى المدينة المنورة في هجرة رسول الله ﷺ

فسار رسول الله ﷺ بأمر الله فأدركته الجمعة عند بني سالم بن عوف، فجمع بهم الجمعة في المسجد الذي هناك.

ودخل رسول الله ﷺ يثرب التي سميت بعد ذلك اليوم بمدينة رسول الله ﷺ، وكان يوما عظيما، وكانت البيوت ترتج ارتجاجا بأصوات التحميد والتقديس.

وكان الناس لا يمر بأحد منهم رسول الله ﷺ إلا وأخذ بخطام ناقته يريد أن ينزل عنده، وكان يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فلم تزل سائرة به ﷺ حتى وصلت إلى مكان المسجد النبوي فبركت، وكان ذلك المكان هو مكان أخواله بني النجار، وكان نزوله في ذلك المكان بتوفيق من الله عز وجل. وكان رسول الله ﷺ يحب أن ينزل على أخواله يريد إكرامهم بذلك.

ونزل رسول الله ﷺ عند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وبعد أيام من وصوله لحقت به زوجته سودة وابنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد وأم أيمن رضي الله عنهم، وجاء معهم عبد الله بن أبي بكر مع أبناء أبي بكر رضي الله عنهم ومعهم عائشة رضي الله عنها.

وهنالك دعا رسول الله ﷺ للمدينة فقال:

«اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة»

كم استغرقت رحلة الهجرة النبوية

بدأت رحلة الهجرة النبوية ليلة الجمعة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12 أو 13 سبتمبر سنة 622 م حين غادر الرسول ﷺ مكة هو وأبو بكر رضي الله عنه.

وانتهت يوم الجمعة 12 من شهر ربيع الأول من نفس السنة، حين وصل إلى المدينة المنورة ونزل عند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

وعلى هذا فقد استغرقت رحلة الهجرة النبوية أسبوعين كاملين، 14 يوما وليلة. فقد غادر ليلة جمعة ووصل نهار جمعة (وفي الحساب القمري تسبق الليلة النهار، أي أن اليوم يبدأ بالليلة).

معجزات الرسول في الهجرة إلى المدينة

قد سبق وأن ذكرنا بالفعل عددا من المعجزات والكرامات التي حدثت مع رسول الله ﷺ في هذه الرحلة، ونذكرها هنا باختصار (وهي في أعلى المقال مفصلة في مواضعها):

1. معجزة نوم المشركين عند تطويقهم لبيته. (اضغط هنا للموضع)
2. معجزة عدم رؤية المشركين للرسول في الغار. (اضغط للموضع). لكن هنا أمر ينبغي التنبه له، وهو أن ما يروى عن أن عنكبوتا نسجت بيتا على باب الغار وأن حمامة بنت عشا هناك قصة ضعيفة ضعفها أهل العلم، ولكن الله أعمى أبصار المشركين وقلوبهم فلم يصلوا إلى رسول الله ﷺ وصاحبه.
3. معجزة دعاء النبي على سراقة بن مالك. (اضغط للموضع). وقد دعا رسول الله ﷺ عليه فكانت سيقان فرسه تغوص في الأرض وكان يمشي في أرض صلبة.
4. معجزة شاة أم معبد. (اضغط للموضع). وهي الشاة التي كانت جافة فحلبها رسول الله ﷺ فأدرت.

ختاما

وقد كانت الهجرة النبوية حدثا عظيما من أهم الأحداث في حياته ﷺ، فقد ساهمت في تغيير مجرى التاريخ، وكانت بداية لقوة المسلمين وإقامة شرع الله في الأرض، وفي هجرة نبي الله ﷺ قصص كثيرة ودروس وعبر جليلة عظيمة، فيها من آيات الله عز وجل وقدرته وحكمته ما يثلج الصدور، ومن نوادر الحب والتفاني فيه والإيمان ما يذهل العقول، ومن العبر والدروس والمعاني ما يهذب النفوس.

نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما، ونسأله تعالى أن يهدينا سواء السبيل، ويدخلنا الجنة مع الأنبياء والشهداء والصالحين. آمين.

هذا والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة (موقع الدرر السنية للتحقق من مصادر الحديث)

كتاب الرحيق المختوم -صفي الرحمان المباركفوري رحمه الله-

كتاب زاد المعاد -ابن قيم الجوزية رحمه الله-

الشيخ محمد ابن عثيمين: أسباب الهجرة النبي (فيديو يوتيوب)

الشيخ محمد ابن عثيمين: كيف كانت هجرة الرسول (فيديو يوتيوب)

مقالات ربما تهمك

قصة سيدنا داوود عليه السلام – توليه الملك، فضائله، قصة الخصيمين، عمره و وفاته المعجزات التي حدثت في مولد النبي ﷺ و طفولته – مولد الرسول ﷺ و طفولته أحداث غزوة أحد : أسبابها، نتائجها، وماذا حدث للرسول فيها؟ قصة حياة أبي بكر الصديق مع الرسول ﷺ وسيرته قصة سيدنا موسى عليه السلام – الجزء الأول: قبل بعثته عليه السلام ماذا حدث في غزوة الخندق ؟ وكيف تم حفر الخندق وما هي أسبابها ونتائجها؟ من الذي غسل الرسول ﷺ وكفنه بعد موته قصة سيدنا نوح عليه السلام – دعوته، السفينة، ابنه، الطوفان…