مدة خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وماحدث فيها

علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رابع الخلفاء الراشدين، من المبشرين بالجنة، ابن عم رسول الله ﷺ وصهره، تلقى عنه القرآن والحديث الشيء الكثير، وهو من حفاظ القرآن ورواته، له من الفضائل والمناقب ما لا يعد ولا يحصى في مجلدات ضخمة،

مدة خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

تولى الخلافة بعد موت عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 36 للهجرة، واستمرت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، لكن حدثت خلالها فتن شديدة عظيمة، وهي موضوع مقالنا إن شاء الله: ماذا حدث في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟

ماذا حدث في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟

من أهم الوقائع التي حدثت في فترة خلافته رضي الله عنه باختصار:

معركة الجمل في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وهي معركة شهيرة من أشد الفتن التي مرت على المسلمين، وهي التي حدثت بسبب اختلاف الصحابة بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه على يد الخوارج عليهم من الله ما يستحقون، فخرج كل من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم يطلبون دم عثمان رضي الله عنه، فساروا بغير مشورة علي رضي الله عنه طالبين قتلة عثمان، وخرج بعدها أمير المؤمنين بجيش يريد إيقاف طلحة والزبير وأم المؤمنين، وقد حدثت بين الجيشين الذين كلاهما جيشان من المسلمين معركة، ولم يكن الصحابة رضوان عليهم ينوون على القتال، ولكن كثرة الدُّسَّاسِ وأعداء الله جعلوا الدماء تسيل.

والتاريخ في تلك المعركة وفي الخلافات التي حدثت في تلك الفترة بين الصحابة أكثره كاذب، وفي هذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

 فالواجب علينا تجاه هذه الأمور أن نسكت عما جرى بين الصّحابة، وأن لا نطالع الأخبار أو التآريخ في هذه الأمور؛ إلَّا المراجعة للضرورة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب العقيدة الواسطية:

إن هذه الآثار المروية في مساوئهم؛ منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه الصريح والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون…

فهذا كلام الشيخ ابن تيمية في الآثار التي تروى في القدح في الصحابة والتحدث في مساوئهم وعيوبهم، وخاصة كبار الصحابة منهم مثل معاوية والزبير وعمرو بن العاص وطلحة وأم المؤمنين وغيرهم. وهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي يدين به أهل السنة والجماعة اللهَ عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا من أهل السنة والجماعة.

معركة صفين في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وهي الحادثة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث أن معاوية بايعه الناس على الإمارة (لا على الخلافة) للأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه، ذلك لأن معاوية كان ابن عمه، فكان له أن يأخذ بثأره كما قال تعالى:

{وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33)} الإسراء.

فالأمر في أشد ما يكون من التعقيد، ولما حدثت الخلافات بين علي ومعاوية والصحابة، وخرج علي إلى معاوية يقاتله، حدثت معركة صفين وقتل فيها خلق كثير منهم صحابة كبار أمثال الزبير بن العوام وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، وكانت فتنة شديدة، ثم أوقف القتال وحكَّموا رجلين من الصحابة الكبار، وهما: عمرو بن العاص من جهة معاوية، وأبو موسى الأشعري من جهة علي، رضي الله عنهم جميعا.

وبسبب ذلك صار معاوية أميرا على الشام ونواحيها، وعلي بقي أميرا على الحجاز والجزيرة والعراق ونواحيها. ويبقى العلم عند الله في ما صح أو كُذِبَ من الآثار التي تروى، والأرجى أن لا نرويها ولا نطلع عليها لغير ضرورة حتى لا تختلط علينا الأمور ولا يقع في قلوبنا بغض لأحد الصحابة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

الخوارج في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وظهر الخوارج كما تنبأ بذلك رسول الله ﷺ، وهؤلاء الطائفة هم مسلمون غلوا في كتاب الله عز وجل وأساؤوا فهمه، فخرجوا بجهلهم عن الصواب وعن جادة الحق، وقد ظهروا أولا في زمن عثمان رضي الله عنه، وهم الذين قتلوه، ثم ظهروا في زمن علي رضي الله عنه بقوة، وثاروا وخرجوا عليه في جيش كبير، واتهموه بأنه حكَّمَ في دين الله الرجالَ، حيث حكَّم في الخلاف بينه وبين معاوية رجلين من الصحابة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} المائدة. 

وهذا من قبح جهلهم وقلة علمهم وسعيهم وراء الشهوات ورغبات النفوس، وقد ناظرهم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه فأسكت حججهم، إذ أن في كتاب الله عز وجل ما يأمر به الله في تحكيم الرجال عند الخصومات، ومنها قوله تعالى في تحكيم حكمين من أهل الزوج والزوجة عند الخصام:

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} النساء

وهذا في رد هذه الشبهة، ورد عليهم شبهات أخرى أيضا، فتاب منهم خلق كثير وتراجعوا عن قتال علي وتركوا ذلك، لكن بقي الشر في نفوس بقيتهم، فخرج إليهم علي رضي الله عنه واستحل دمهم بعد أن قتلوا رجلا لقوه مسافرا في البر وامرأتُه حبلى فقتلوها معه وبقَروا بطنها، وهذا الرجل هو عبد الله بن خبَّاب بن الأرت، وكان ابن أحد كبار الصحابة.

وحدثت الحادثة المعروفة بمعركة النهروان، وكان على رأس الخوارج عبد الله بن وهب السبئي، المعروف بـ: عبد الله بن سبأ. فهزمهم علي رضي الله عنه وقتل أكثرهم، وقتل عبد الله بن سبإ هذا، وقُتِلَ من أصحاب عليّ رضي الله عنه 12 رجلا. وهؤلاء هم المعروفون أيضا بالخوارج الحرورية، نسبة لأنهم عسكروا بمكان يدعى “حروراء”. وحدثت هذه الوقعة في شعبان من سنة 38هـ. وقيل في صفر.

ثم خرج في السنة التي بعدها وقتل رؤوسا آخرين من الخوارج أيضا في هذا المكان الذي يدعى حروراء، فقضى على أكثرهم إلا قليلا منهم.

وقد قال في هذه الطائفة رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:

{تَمْرُقُ مارِقَةٌ عندَ فُرْقَةٍ بينَ المسلِمينَ ، فيقتُلُها أولى الطائِفَتِينِ بالحقِّ.} رواه مسلم، وصححه الألباني.

والمارقة هم هؤلاء الخوارج، مرقوا من الإسلام، والطائفتان هما طائفة علي وطائفة معاوية، وأولاهما طائفة علي، والفُرقة هي الفتنة والافتراق الذي حدث بين الطائفتين، وقد قتلوهم بالحق، والحمد لله رب العالمين.  ومن العجائب أنهم كانوا عبادا قراء للقرآن الكريم، كانوا من أصحاب علي رضي الله عنه، فوقعوا في الغلو في الدين فكفروا العصاة بالذنوب، وقتلوا النساء والرجال إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه على ما يعتقدونه. وكانوا ينكرون الخليفتين جميعا، عليا ومعاوية. نسأل الله السلامة والعافية.

مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وقتل أمير المؤمنين رضي الله عنه في السنة 39 للهجرة النبوية على يد الخارجي عبد الرحمان بن ملجم عليه من الله ما يستحق، ولنا في هذا الموضوع مقال كامل، يمكنك قراءته من هنا:

قصة استشهاد علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه

ختاما

هذه الحوادث التي حدثت في زمن الصحابة والتابعين الأخيار، وحدثت معها كل هذه الفتن التي يندى لها الجبين، فما بالك بنا نحن اليوم؟ مع كثرة الفتن والهزاهز التي تهزنا كل يوم وليلة، وماذا أعددنا لها؟

نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ونعوذ به تعالى من فتنة القبر، ومن فتنة المحيا والمماة، ومن فتنة المسيح الدجال ومن كل فتن آخر الزمان.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

مصادر

القرآن الكريم

موقع الدرر السنية (لصحة الأحاديث)

كتاب سير أعلام النبلاء (للذهبي رحمه الله)

كتاب شرح العقيدة الواسطية (لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله) – شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

الخلاف بين علي ومعاوية. رضي الله عنهم – ابن عثيمين رحمه الله (فيديو يوتيوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top