قصة موسى عليه السلام مع الخضر – و تليها قصة موسى عليه السلام مع قارون

سبق أن تحدثنا عن قصة موسى عليه السلام في ثلاث مقالات متتالية، و هي قصته مبسوطة من أولها لآخرها في ثلاثة أجزاء،  و في هذا المقال نتحدث عن قصته مع الخضر التي حدثت في الجزء الثالث من القصة، و قصته مع قارون التي حدثت في أحد الجزئين الثاني أو الثالث، لكن جعلناهما مقالا منفصلا لأنهما قصتان شهيرتان جاءتا في القرآن الكريم منفصلتين عن باقي القصة. و الأجزاء الثلاث هي:

قصة موسى عليه السلام مع الخضر

أمر موسى بالذهاب إلى مجمع البحرين و السبب وراء ذلك

و بدأت القصة كما قال رسول الله ﷺ: <<إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله له إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك>> و هو حديث طويل في قصة موسى مع الخضر رواه البخاري في صحيحه، مروي عن أبي بن كعب رضي الله عنه.

خطأ موسى عليه السلام

فموسى عليه السلام أخطأ حين تحدث بما لا يعلمه، إذ قال أنه هو أعلم الناس و هو لا يعلم إذا كان في الأرض من هو أعلم منه أم لا، فعتب الله عليه في ذلك، و أراد أن يثبت له أن في الناس من هو أعلم منه، و أن يعلمه أن يرد العلم لله حين لا يعلم بأمر ما.

فسأل موسى ربه: يا رب فكيف لي به؟ فأمره أن يأخذ معه حوتا و يجعله في مكتل، و المكتل هو قفة من ورق النخل يحمل فيها التمر و السمك و غيرهما. و يذهب إلى مجمع البحرين، فحيثما فقد حوته فإنه هناك.

ذهابه لمجمع البحرين

ففعل موسى عليه السلام ذلك، و انطلق مع غلام له إلى هذا المكان المقصود، و يقال أنه مكان يقع الآن في جنوب سيناء، و هو بين البحرين الأبيض المتوسط و البحر الأحمر، و الله أعلم في ذلك. و ما يهمنا أنه أشار له لمكان معين. و فتاه هذا على الأرجح هو يوشع بن نون.

و لما بلغا مجمع البحرين أويا إلى صخرة باتا عندها ليلتهما، و لما أدركهما الصباح أكملا مسيرهما، و لما تجاوزا هذا المكان و أدركهما وقت الغداء قال موسى عليه السلام لفتاه: آتنا غداءنا. فقال له الفتى: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت. فنسي الحوت في ذلك المكان.

لقاء موسى عليه السلام بالخضر

فقال له موسى عليه السلام: ذلك ما كنا نبغ. فرجعا إلى ذلك المكان و كان الحوت قد رده الله إلى الحياة و اتخذ سبيله في البحر، فلما عادا تعجب الفتى من رجوع الحوت إلى البحر، و عندها وجدا الخضر، و هو رجل قال عنه الله تعالى: آتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علما.

فلما وجده موسى عليه السلام و علم أنه المنشود قال له: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ فقال له الخضر: إنك لن تستطيع معي صبرا، و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟ فنوه إلى أنه لن يقدر على الصبر إذا ما رافقه، و أنه لن يستطيع الصبر على ما لا يعلم أمره.

فقال له موسى: ستجدني إن شاء الله صابرا و لا أعصي لك أمرا. فقال الخضر: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا. فأمره أن لا يسأله عما يفعل حتى يخبره هو بذلك دون أن يسأله.

انطلاق موسى عليه السلام مع الخضر

خرق الخضر للسفينة

و انطلق معه فركبا في سفينة، فلما ركبا فيها عمد الخضر فخرق مكانا في تلك السفينة على غفلة من أصحابها. ففعل شيئا عجيبا احتار موسى فيه، و لم يصبر على ذلك و نسي وصية الخضر إليه فقال له: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا. فذكره الخضر فقال له: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا؟

فاعتذر منه موسى عليه السلام و سأله أن لا يؤاخذه بما نسي و أن لا يرهقه من أمره عسرا.

قتل الخضر للغلام

و أكملا مسيرهما بعد نزولهما من السفينة، فوصلا مكانا وجدا فيه غلاما فأخذه الخضر فقتله. ففعل شيئا عجيبا، و احتار موسى فنسي الوصية و لم يصبر فقال له: أقتلت نفسا زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. فقال له الخضر: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا؟

فاعتذر موسى عليه السلام منه و قال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا. أي إذا سألتك مرة أخرى فذلك فراقنا. ثم انطلقا.

إقامة الخضر للجدار

و في مسيرهما وصلا إلى قرية و كانا جائعين فاستطعما أهلها، أي طلبوا منهم الطعام، فأبى أهل تلك القرية أن يضيفوهما، فلم يطعموهما و لم يضيفوهما، و وجدا فيها جدارا يكاد أن يتهدم و يسقط، فقام إليه الخضر فأقامه و رممه بلا مقابل و لا أجر، فاحتار موسى عليه السلام و نسي الوصية و ل يصبر على ذلك فقال له: لو شئت لاتخت عليه أجرا. و يعني بذلك أجرا يشترون به طعاما لأنهما كانا جائعين.

فراق موسى عليه السلام و الخضر و تأويل ما فعل

فقال له الخضر: هذا فراق بيني و بينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. و أخبره بأسباب الأفعال التي فعلها و لم يصبر عليها موسى عليه السلام و هي:

سبب خرق الخضر للسفينة

و خرق الخضر للسفينة كان بسبب أن أصحاب السفينة كانوا قوما مساكين فقراء، و كانت تلك السفينة هي مصدر رزقهم، و كان الخضر يعلم أن المكان الذين هما متوجهان إليه فيه ملك ظالم يأخذ سفن الناس غصبا و ظلما، و أهل السفينة لا يعلمون ذلك، فقام بخرقها ليجعل فيها عيبا يكره جنود الملك في هذه السفينة فيتركونها لهؤلاء المساكين، و هم يصلحونها بعد ذلك.

سبب قتل الخضر للغلام

و أما الغلام فقد قتله لأنه كان لديه علم من الله أن هذا الغلام إذا كبر و عاش سيكفر بالله و سيرهق والديه بطغيانه و كفره، فقام بقتله ليبدلهما الله خيرا منه، أي غلاما أو غير ذلك أكثر زكاة و رحمة من هذا.

سبب إقامة الخضر للجدار

و أما الجدار التي أقامه في القرية فكان جدارا لغلامين يتيمين يسكنان في تلك المدينة، و كان تحته كنز تركه أبوهما هناك لهما، فأراد الخضر أن يجدا كنزهما حين يكبران رحمة من الله بهما.

هل الخضر نبي؟

اختلف العلماء في الخضر، فمنهم من قال أنه نبي و منهم من قال أنه رجل صالح، و الراجح أنه ليس نبيا، و إنما هو رجل لديه علم من الله، ارسله الله ليعلم موسى عليه السلام، و الله أعلم بأمره، و ما يهمنا من القصة هي فوائدها و العبرة منها.

هل الخضر لا يزال حيا؟

يدعي بعض الناس أن الخضر شرب من ماء الحياة و أنه لا يزال حيا و أنه يطوف بالأرض، و كل هذا خرافات و أباطيل لا أصل لها، و لو كان حيا لوجب عليه اتباع الرسول محمد ﷺ و الجهاد معه كما جاهد معه جبريل و غيره من الملائكة… و هذا ما قاله الشيخ ابن العثيمين رحمه الله.

قصة موسى عليه السلام مع قارون

و مفاد هذه القصة أن قارون كان من قوم موسى، و آتاه الله من الكنوز و الأموال لدرجة أن المفتاح الواحد لمخزن من مخازنه يحمله عصبة من الرجال، و العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين، فكان رجلا ذا مال كثير و قصور و غيرها من أمور الدنيا الفانية.

و نصحه النصحاء من قومه فقالوا له: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين. فقال لهم قارون: إنما أوتيته على علم عندي.

فقال أن هذه الأموال و الكنوز أوتاها بعلمه و مثابرته و حرصه، و ظن أن له تصرفا من دون الله، و نسي أن الله أهلك من هو أشد منه قوة.

و كان من الأمور التي فعلها أنه خرج على قومه في زينته، فخرج يمشي بينهم في زينة و خيلاء تكبرا و تعنتا، و قيل أنه مر في موكبه و زينته على مجلس موسى عليه السلام مع نفر من قومه، فجعلوا ينظرون إليه و يقولون: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم.

فقال العلماء منهم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن و عمل صالحا و لا يلقاها إلا الصابرون.

و ذكر ابن عباس أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليه السلام و هو في ملإ من الناس: إنك فعلت بي كذا و كذا. فأرعد من ذلك و صلى ركعتين ثم عاد إليها فاستحلفها: من دلك على ذلك. فذكرت له أن قارون حملها على ذلك و استغفرت الله و تابت إليه. فسجد موسى عليه السلام لله و دعا الله على قارون.

فأوحى الله إليه أنه أمر الأرض أن تطيعه فيه فأمرها موسى عليه السلام أن تبتلعه و داره، و ذكروا قصصا أخرى في ذلك، و الله أعلم أيها أصح، و الثابت أن الله خسف به و بداره الأرض لأنه كان كافرا و أراد أن يتكبر في الارض. و قيل أنه كان منافقا خبيثا. و أنه تحدى موسى عليه السلام و غير ذلك من الروايات التي لا نعلم صحتها من كذبها.

 خسف الأرض بقارون و بداره

و خسف الله به و بداره الأرض فانشقت و ابتلعته، و اصبح القوم الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون: ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر، لولا أن من الله علينا لخسف بنا، ويكأنه لا يفلح الكافرون. و قد صدقوا في هذا المقال.

و هو من القوم الذين دعاهم موسى عليه السلام فكذبوه، و ذكره الله في القرآن مع فرعون و هامان. و كلا أخذ الله بذنبه، فأخذ فرعون و هامان بالغرق، و أخذ قارون بالخسف. و لا يفلح الكافرون.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و اهدنا و اغفر لنا و ارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.

هذا و الله أعلم، و صل اللهم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين.

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

فتاوي الشيخ ابن العثيمين رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top