قصة سيدنا موسى عليه السلام – الجزء الأول: قبل بعثته عليه السلام

سيدنا موسى عليه السلام هو رسول و نبي أرسله الله إلى بني إسرائيل و آل فرعون، و هو من الرسل أولي العزم، أنزل عليه التوراة و هي من الكتب السماوية، و هو كليم الله، كلمه الله بالوحي دون ترجمان، و هو رسول له فضائل عظيمة جليلة، نتعرض في هذا المقال للجزئ الأول من قصته عليه السلام، و نحاول الإيجاز و ذكر الأمور المهمة.

ولادة موسى عليه السلام و تبني زوجة فرعون له

كان بنوا إسرائيل في زمن فرعون في ظلم كبير و اضطهاد عظيم، فقد استعبدهم و آذاهم كثيرا، و علا في الأرض و قسم رعيته إلى طبقات و أقسام، و جعل بني إسرائيل هم المستضعفين في الأرض و هم سلالة يعقوب عليه السلام الذين سكنوا مصر في زمن يوسف ابن يعقوب عليهما السلام.

و كان فرعون يذبح أبناء بني إسرائيل من الذكور، و حمله على ذلك أنه سمع أن بني إسرائيل يتناقلون فيما بينه بشارة آثروها على إبراهيم الخليل عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون على يديه هلاك ملك مصر.  فأمر بقتل ذكور بني إسرائيل و الإبقاء على نسائهم حذرا و خوفا على نفسه من ظهور هذا الغلام، لكن الحذر لا يغني من القدر، و قدر الله سار و إن أجمعت الإنس و الجن لمنعه.

و أراد الله أن يمن على القوم الذين استضعفوا في الأرض و يجعلهم أئمة و يجعلهم هم الوارثين كما قال تعالى في سورة القصص: <<وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)>>.

و ذكر بعض المفسرين أن القبط شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم، و كان بنوا إسرائيل هم القائمين على الأعمال الشاقة، فلما خافوا أن يقلوا أمر فرعون بأن يقتلوا عاما و يتركوا عاما.

و ولد هارون عليه السلام في العام الذي لا يقل فيه الذكور، و ولد أخوه موسى عليه السلام في العام الذي يقتل فيه الأبناء. فلما خافت عليه أمه ألهمها الله أن تتخذ له تابوتا من خشب، فإذا خافت عليه وضعته فيه و ربطته بحبل و أطلقته في نهر النيل، حتى إذا أحست بزوال الخطر أعادته إليها بذلك الحبل.

و هذا ما ذكره الله في القرآن الكريم، و قال تعالى: وأوحينا إلى أم موسى. قال ابن كثير أن تفسير هذا أنه ليس من وحي الأنبياء، و إنما من وحي الإلهام و الفطرة، مثل قوله تعالى: و أوحينا إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا… و ليس كما قال البعض أن أم موسى أوتيت من وحي الأنبياء.

وحدث أن أم موسى نسيت يوما أن تربط الحبل عندها، فسار التابوت بموسى عليه السلام و هو رضيع، فارسله الله إلى جانب قصر فرعون، و كان كل من بيت أم موسى و قصر فرعون على ساحل نهر النيل، فالتقطه آل فرعون، و قال تعالى: <<فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)>> القصص.

فالله أرسله عدوا و حزنا لفرعون و هامان و جنودهما، أما آسية امرأة فرعون فكانت مؤمنة، و إنما أرسله الله لها رحمة و هداية لها كما قال ابن كثير، و هي من سيدات أهل الجنة.

لثغة موسى عليه السلام

و روي في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام عندما التقطه آل فرعون، و أخذته آسية زوجة فرعون فأعجبها و أحبته، و ألقى الله عليه محبة منه تعالى، كما قال في القرآن: و ألقيت عليك محبة مني. فكان كل من يراه يحبه، و كذلك أحبته امرأة فرعون.

فلما أرته لفرعون فأمسك موسى لحيته فنتف منها، فغضب فرعون فأمر بقتله، فقال له آسيا أن هذا غلام لا يعقل، و إلا ما كان يمسك لحيتك، فأمر فرعون فجلبوا له تمرة و جمرة، و امتحنه ليرى عن كان سيمسك بالتمرة أم بالجمرة.

فأمسك موسى عليه السلام بالجمرة و وضعها في فمه، و منها كما قالوا صارت لديه لثغة في لسانه، فكان لا ينطق جيدا، و لذا دعا ربه: و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

و موقفنا مع الإسرائيليات أن روايتها تجوز لكننا لا نصدقها و لا نكذبها.

و قالت زوجة فرعون لفرعون: <<وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا>> القصص 9. ثم قال تعالى: و هم لا يشعرون، أي أنهم لا يشعرون أنه من بني إسرائيل.

إعادته إلى أمه

و قلقت عليه أمه كثيرا، و أصبح فؤادها فارغا حتى كادت أن تجهر بأمره، لكنها تأنت و تروت فقالت لابنتها الكبرى: قصيه. أي تتبعي و تحسسي من أمره. فخرجت أخته تجول فوجدته لدى آل فرعون و كانوا يبحثون له عن من ترضعه، و حرم الله عليه المراضع فكان يرفض كل ثدي يقرب منه.

فقالت لهم أخته دون أن تكشف أمرها: <<هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)>> القصص. فدلتهم فرده الله إلى أمه كي تقر عينها و لا تحزن و لتعلم أن وعد الله حق.

فأرضعته أمه و عاش و كبر في دار فرعون، حتى إذا كبر و بلغ أشده آتاه الله حكما و علما، و كذلك يجزي الله المحسنين. و حدثت معه حادثة جعلته يخرج من مصر هاربا من فرعون.

قصة قتل موسى لرجل من القبط

و حدث ذات يوم أنه كان في المدينة يمشي إذ رأى رجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل و الآخر من القبط، فاستعانه الذي من شيعته و هو الإسرائيلي على الذي من عدوه و هو القبطي.

فأتاهما موسى فوكز القبطي فقتله، أي ضربه على ظهره بيده، و كان موسى عليه السلام قوي الجسد، فقتله خطأ. قال تعالى: <<قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17)>> القصص.

فندم موسى على ذلك و استغفر ربه، فغفر له الله. و عزم على أن لا يكون ظهيرا للمجرمين.

فأصبح موسى عليه السلام في المدينة خائفا يترقب، و في الغد من ذلك وجد الرجل الذي استنصره بالأمس يستصرخه، أي يصرخ فيه أن أعني و كان يتقاتل مع قبطي آخر، فقال له موسى: إنك لغوي مبين.

فلما اقترب منهما ليبطش بالقبطي قال له الإسرائيلي لأنه ظن أنه يريده هو لما قال: إنك غوي مبين. فقال له: <<يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)>> القصص.

هذا التفسير الذي ذكره ابن كثير، و ذكر آخرون أن قائل هذا ربما كان القبطي، لأنه لما رآه مقبلا عليه فهم و تفطن فراسة أن موسى هو من قتل الرجل القبطي بالأمس، و على كل فقد تفطن له هذا القبطي أنه هو من قتله، سواء كان هو من قال ذلك أم الإسرائيلي، فبلغ الأمر لفرعون و جنده.

و جاء رجل من أقصى المدينة يسعى إلى موسى عليه السلام فقال له كما قال تعالى: <<وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)>> القصص. و قال ابن كثير أن هذا هو مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه و دافع عن موسى فيما بعد.

خروج موسى عليه السلام من مصر هروبا من فرعون

و خرج موسى عليه السلام من المدينة خائفا يترقب و دعا ربه: رب نجني من القوم الظالمين، و سافر تلقاء مدين و قال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. و مدين هي أرض قوم شعيب عليه السلام الذين عذبهم الله، و قيل أن الرجل أبا المرأتين التين سقا لهما موسى عليه السلام هو شعيب عليه السلام بعد أن عذب الله قومه و كبر فلقيه موسى، لكن لا دليلا قويا على ذلك، فالله أعلم من كان هذا الرجل.

قصة موسى عليه السلام مع المرأتين اللتين سقا لهما

و لما بلغ موسى عليه السلام ماء مدين، و مدين تقع الآن في شمال غرب السعودية، و هو مكان بعيد بالنسبة لمصر، فموسى مشى كثيرا لما خرج من مصر. و وجد عند ماء مدين الرعاة يسقون مواشيهم، و وجد من دونهم امرأتين تذودان، أي تنتظران عن جنب و معهما غنم لهما، فسألهما أن ما بالكما، فقالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء و أبونا شيخ كبير.

فكانتا تنتظران الرعاة حتى ينتهوا من سقيهم و تسقيان، و كان أبوهما شيخا كبيرا لا يقدر على الرعي، فكانتا ترعيان عنه، و هذا من تمام تربيتهما و أدبهما، فكانتا تأبيان الاختلاط بالرجال، كما كان كلامهما لموسى موجزا واضحا لا تنمق فيه بالكلام.

فسقى لهما موسى عليه السلام ثم توارى إلى الظل فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. و من الملاحظ أن موسى عليه السلام كان كثير الدعاء، كلما فعل شيئا أو هم بشيء أو أراد شيئا دعا الله، و من الملاحظ أيضا أنه عليه السلام لما قال هذا الدعاء فتح الله عليه فتزوج بعدها و وجد مخرجا من ضائقته.

و بينما هو كذلك جاءت إحدى الفتاتين اللتين سقا لهما تمشي على استحياء، فقال له: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فلما ذهب إلى أبيهما و قص عليه خبره قال له: لا تخف نجوت من القوم الظالمين. فبشره أنه خرج من بلاد فرعون و أنه ليس تحت سلطانه و هو في هذا المكان.

و قالت إحدى البنتين لأبيها: <<قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)>> القصص. فقال أبوها لموسى عليه السلام: <<إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)>> القصص.

فوافق موسى عليه السلام على هذا العرض و تزوج ابنة هذا الرجل الصالح، و خدم ثمانية أعوام أو عشرة، و الله أعلم أي الأجلين قضى، و توجد أحاديث ضعيفة تقول أنه قضى الأجل الأتم و الأكمل، و الله أعلم في ذلك.

سفر موسى عليه السلام عائدا إلى مصر و مناداته من جانب الطور

و بعد أن أتم موسى عليه السلام الأجل سافر بأهله عائدا إلى مصر، و لما بلغ جبل طور سيناء، و هو جبل في صحراء سيناء التابعة لمصر الآن، رأى من جانب الطور نارا، فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون. فذهب موسى إلى تلك النار، و لما بلغ النار نودي من شاطئ الواد الأيمن من البقعة المباركة، قال تعالى: <<فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)>> القصص.

فكان هذا هو أول ما كلمه الله تعالى و أوحى إليه، فكانت هذه هي بعثته عليه السلام، و الجزء الثاني من قصته:

قصة سيدنا موسى عليه السلام – الجزء الثاني: قصته مع فرعون

هذا و الله أعلم، و صل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.

مصادر

القرآن الكريم

كتاب قصص الأنبياء -ابن كثير-

تفسير ابن كثير

تفسير السعدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top