قصة سيدنا هود عليه السلام و قومه عاد الذين أخذتهم الريح العقيم

هود عليه السلام هو نبي من أنبياء الله أرسله الله بعد نوح عليه السلام، ورد ذكر قصته مع قومه في عدة مواضع من القرآن الكريم، و ذكرت عدة مرات بعد قصة نوح عليه السلام، إذ أن الناس من ذرية نوح عليه السلام بعد الطوفان، و هم الذرية الباقية بعده، لما استقروا في الأرض و عاشوا فيها و نسلوا، و تغير الناس و انتشروا، كفر بعضهم و أشرك بالله.

ذكر حال عاد قوم هود عليه السلام

و من الأقوام الذين أشركوا بالله عاد قوم هود، و هي عاد الأولى الت تعرف بعاد إرم، التي قال تعالى عنها في القرآن:< أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)> و هي قبيلة كانت تسكن في الأحقاف، و هو موضع بين اليمن و عمان قريب من البحر، و كانوا قوما أشداء آتاهم الله القوة، كانوا يسكنون الخيام ذات العماد، و هي عماد عظيمة كانوا يقيمون بها خيامهم.

أشركوا بالله و عبدوا الأصنام من دون الله، فارسل الله لهم رسوله هود عليه السلام ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، و أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم من أصنام ما أنزل الله بها من سلطان.

دعوة هود عليه السلام قومه و محاجتهم

و دعا هود عليه السلام قومه لعبادة الله و ترك ما كان يعبد آباؤهم، و مما قال لهم: <يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ> الأعراف 65. فقال له الذين كفروا: <إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)> الأعراف، و قالوا له أيضا: <إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ> هود 54، فقالوا له لا نرى إلا أنه نزل عليك غضب آلهتنا فصرت سفيها لا تدري ما تقول، فحاجهم و أخبرهم أنه رسول من الله، و تحداهم أن يصيبوه هم و آلهتهم بسوء، فقال لهم: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ، أي فافعلوا بي ما استطعتم أنتم و آلهتكم الباطلة.

و بلغهم رسالات ربه و نصحهم، و ذكرهم بان الله جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح و زادهم في الخلق بسطة و أعطاهم القوة في الأرض، و ذكرهم بآلاء الله. فأبى الكافرون إلا الاستكبار و الجهل و محاربة الحق و اتباع دين الآباء فقالوا له: < قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)> الأعراف.

فجعلوا عين الحق باطلا، و عين الباطل حقا، جعلوا عبادة الله وحده لا شريك له باطلا، و التمسك بدين آبائهم الذي هو الشرك و عبادة الأصنام التي لا تنفع و لا تضر حقا، و هذا هو الضلال المبين.

فجادلوا نبي الله في أسماء سموها هم و آباؤهم، و تنكروا للحق و استمسكوا بالباطل و نصروه و حاربوا به الحق، فوقع عليهم غضب من ربهم و رجس، فأرسل عليهم العذاب، و كذلك الله تعالى إذا أراد أن يأخذ قرية أخذها أخذ عزيز مقتدر.

عذاب عاد قوم هود بالريح الصرصر العاتية

و أول ما بدأ الله بهم من العذاب أرسل عليهم الجفاف، فاستسقوا، فارسل لهم الله لهم سحابة سوداء كبيرة، فلما رأوها قالوا: هذا عارض ممطرنا! أي هذا سحاب مار فيه مطر و خير لنا، فاستبشروا به و فرحوا، و لكن تلك السحابة لم تكن إلا عذاب الله عليهم، قال تعالى: <<فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)>> الأحقاف.

أرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية فيها عذاب أليم، فكانت ريحا شديدة عظيمة، سخرها الله تعالى عليهم سبع ليال و ثمانية أيام متتالية، و نجى هود عليه السلام و الذين آمنوا معه لم يصبهم شيء منها بقدرته جل و علا، و هو على كل شيء قدير. قال تعالى: <<وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)>> الحاقة.

و استمرت عليهم هذه الريح الشديدة تعذبهم، فلم تذر منهم أحدا، فلما ذهبت الريح أصبحوا كأنهم أعجاز نخل خاوية، و هي جذوع النخل الفارغة، و هذا التشبيه لعظم أجسادهم و هم صرعى بعد العذاب الشديد.

و كان رسول الله ﷺ إذا رأى سحابا في السماء تغير وجهه و تلبد و دعا الله و سبحه فقال: <كان إذا عَصفتِ الرِّيحُ قال : اللهم إني أسالُك خيرَها و خيرَ ما فيها و خيرَ ما أُرسِلَت به ، و أعوذُ بك من شرِّها و شرِّ ما فيها و شرِّ ما أُرسِلَت به> صححه الألباني.

و روت عنه عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- أنه إذا رأى السحاب أو الريح تغير وجهه و عرف فيه كراهيتها حتى تمطر فيسرى عنه و يرتاح، فسألته مرة: يا رَسولَ اللهِ، أَرَى النَّاسَ، إذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكونَ فيه المَطَرُ، وَأَرَاكَ إذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ في وَجْهِكَ الكَرَاهيةَ؟ فَقالَ: <<يا عَائِشَةُ ما يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكونَ فيه عَذَابٌ، قدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقالوا: {هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}>> رواه مسلم.

فهذا رسول الله ﷺ و كان يخاف من عذاب الله؟ فما بالك م\بنا نحن؟ نسأل الله العافية.

ختاما

قال تعالى: <<وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)>> هود.

و هذه حال القرى التي كفرت بأنعم الله، يمهلها الله و يملي لها حتى إذا أخذها أخذها أخذ عزيز مقتدر، و هؤلاء قوم هود عليه السلام أخبرنا الله عنهم أنهم كانوا أولي قوة، و أنه زادهم في الخلق بسطة، و غيرهم من الأقوام الذين أعطاهم الله القوة و السلطان في الأرض، لكن القوة ليست دليلا على الحق، و لا الضعف دليل على الباطل، و هذا من أخطإ القياس.

و لكن الحق واحد، و هو أن الله لا إله إلا هو، و أنه يرسل رسالاته للناس ليقام شرعه جل و علا في الأرض، و أنه يطاع و لا يعصى، و أن هذه سنته و لا تغيير لسنة الله، في الضعف أو في القوة، في الشدة و الرخاء.

و حالنا اليوم و نحن في ضعف، و منا من الناس من يغتر بقوة الغرب و سلطانهم في الأرض، و منا من يترك دينه لأنه اغتر بهذه المظاهر، لكن الحق مع المؤمنين و إن ضعفوا و إن هانوا على الناس.

اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه، و لا تجعلنا كقوم عاد تمسكوا بدين آبائهم و م على الباطل، و اهدنا بهداك فإنك تهدي من تشاء و تضل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير.

هذا و الله أعلم، و صلى الله على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top