قصة سيدنا سليمان عليه السلام – الأحداث في قصته، ملكه العظيم، وفاته.

هو سيدنا سليمان ابن داوود عليهما السلام، فهو نبي ابن نبي، آتاه الله النبوة و الملك و العلم الغزير، ورث الملك و النبوة عن أبيه داوود عليه السلام، و آتاه الله ملكا عظيما، فسخر له جنود من الجن و الإنس و الطير و الوحوش ما شاء الله جيوشا عظيمة، و قد وردت قصة سيدنا سليمان عليه السلام  في سورة النمل و سورة سبأ، و وردت قصص أخرى عنه عليه السلام في سور أخرى مثل الأنبياء و ص.

الأحداث في قصة سيدنا سليمان عليه السلام

حدثت عدة أحداث في حياة سيدنا سليمان عليه السلام، و لا يعلم ترتيبها بالضبط، لذا سنذكرها دون إشارة إلى ترتيبها. لكن كما ذكرت في القرآن الكريم. من سورة النمل الآيات من 15 إلى 44.

قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع النملة

خرج سليمان عليه السلام في جيشه حتى مروا بواد يسكنه النمل، فلما أدرك الوادي بجيشه خرجت نملة فرأت الجيش، فقالت لقومها من النمل: ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون. فحذرت قومها من الجيش، و آتى الله سليمان عليه السلام القدرة على فهم لغات الحيوانات و كيفيات تواصلها، فسمع تلك النملة فتبسم ضاحكا من قولها، و تبسم سرورا و فرحا من قولها.

و حينها دعا الله فقال في دعائه المشهور: ” رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و أن أعمل صالحا ترضاه و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. ” و هو من الأدعية العظيمة في القول و المعنى، و هو من الأدعية التي يسن للإنسان الدعاء بها لأنه دعاء نبي و ورد في القرآن الكريم.

قصة إلقاء جسد على كرسي سيدنا سليمان عليه السلام

مما حدث في في قصته عليه السلام، أنه كان له في أول ملكه الذي ورثه عن أبيه أن أعطاه الله من الخيل الذي سمي بالصافنات الجياد، و هي خيل أصيلة قوية، و كان له منها ما شاء الله، و أعجبته هذه الخيل و كثرتها و قوتها، فكان يدور بينها و يمسح أعناقها و سيقانها، حتى غربت عليه الشمس و أطال الوقت معها.

و أراد الله أن يفتنه و يبين له أن هذا الملك يؤتيه الله من يشاء و ينزعه ممن يشاء، فألقى على كرسيه جسدا يشبهه، فلما عاد لم يعرفوه و أنكروه، و أخذ منه الملك، و قيل أن الشياطين هي من أخذت منه الملك، لكن لا يوجد قول واضح في ذلك، فما لنا إلا أن نرد العلم لله، و ما نفعنا بمعرفة ذلك.

فلما انتزع الله منه الملك زمنا يعلمه الله، أدرك سليمان عليه السلام ما كان منه أناب إلى الله تعالى و استغفره، و سأله أن يعطيه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأجاب الله دعوته هذه.

بناءه لبيت المقدس و دعاءه

سليمان عليه السلام هو من بنى بيت المقدس، و قد جدده إذ أن أول من بناه هو إسرائيل عليه السلام، أي يعقوب، و لما أعاد سليمان عليه السلام بناءه دعا الله تعالى، و هذا مذكور في حديث رسول الله ﷺ:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: <إنَّ سليمانَ بنَ داودَ لمَّا بنَى بيتَ المقدِسِ ، سألَ اللهَ عزَّ وجلَّ خِلالًا ثلاثةً : سألَ اللهَ حُكمًا يُصادِفُ حُكمَه ، فَأُوتِيَه ، وسألَ اللهَ مُلكًا لا ينبَغي لأحدٍ من بعدِه ، فَأُوتِيَه ، وسألَ اللهَ حينَ فرغَ مِن بناءِ المسجدِ أنْ لا يَأْتِيَه أحدٌ لا يَنهَزُه إلَّا الصَّلاةُ فيهِ ، أن يُخرِجَه مِن خطيئَتِه كَيومِ ولدَتْهُ أُمَّه ، أمَّا اثْنَتانِ فقَد أُعطِيَهُما ، وأَرجو أن يكونَ قد أُعطِيَ الثَّالثةَ> صححه الألباني في صحيح الجامع.

حكما يصادف حكمه: يعني يقاربه و لكن لا يساويه.

لا ينهزه إلا الصلاة فيه: يعني لا يريد إلا الصلاة فيه دون غيرها.

و أعطاه الله ملكا عظيما بعد هذه القصة، و مما أعطاه الله من الملك، سخر له الريح تحت أمره، فكان ينتقل بالريح حيث شاء بسرعة كبيرة، و غير ذلك كثير كالجن و الشياطين و الوحوش …

قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الهدهد

و كان مما حدث في قصته عليه السلام أنه تفقد الطير يوما كما هو شأن الملوك مع جندهم، و كانت الطيور من جند سليمان عليه السلام، فلم يجد الهدهد، فقال: ” ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتينّي بسلطان مبين. ” و معنى هذا أن الهدهد غاب دون إذن سليمان عليه السلام، لذا توعده و عزم على تعذيبه أو ذبحه إلا أن يأتيه بسلطان مبين، و سلطان مبين تعني حجة مقنعة لسبب لغيابه.

فأتى الهدهد و اقترب من سليمان عليه السلام، فقال له: << أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ >> النمل.

و هنا فائدة عظيمة يذكرها العلماء، و هي أن الهدهد علم ما لم يعلم به سليمان، رغم ما آتاه الله من العلم لكنه لا يعلم كل شيء، و رغم أن الهدهد طائر ضعيف لا حول له و لا قوة، و علمه لا يضاهي علم سليمان عليه السلام و لا ملكه، لكنه علم ما لم يعلم سليمان عليه السلام، و تفاخر بأنه علم ما لم يعلم، فقال له: أحطت بما لم تحط به. و أخبره عن ما رآه في مملكة سبأ.

و كانت سبأ مملكة في نواحي اليمن اليوم، و كان سليمان عليه السلام في بيت المقدس، و كانت سبأ هذه تحكمها امرأة، و كانوا يعبدون الشمس من دون الله، فقال له: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين، فأعطاه رسالة و قال له: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون. و ذهب الهدهد بهذه الرسالة و ألقاها لهم.

قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع بلقيس ملكة سبأ

و لما ألقى الهدهد الكتاب إليهم قرأته الملكة ثم استشارت بعض مستشاريها فقالت: <<يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32)>> النمل. فاستشارتهم فيما تفعله، و كانت رسالة سليمان عليه السلام دعوة منه لهم إلى الإسلام، و كانت رسالة تبدأ باسم الله الرحمان الرحيم.

فقال لها مستشاروها: << نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)>> فقالوا لها أن لديهم جيشا قويا، أي أننا نستطيع القتال، و الأمر إليك. فقررت أن ترسل لسليمان عليه السلام هدية و تنظر ماذا يكون رده عليها و قالت لهم: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة. و كانت رغم أنها امرأة مشركة لكن لها من الحكمة و التروي في شؤون الحكم.

و لما جاءت الهدية إلى سليمان عليه السلام رفضها و ردها عليها و قال: <<فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)>>. و كان سليمان يعلم بما آتاه الله من العلم أنهم سيأتون له مسلمين.

و قال لجنده: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ؟ فقال عفريت من الجن: أنا آتي به قبل أن تقوم من مقامك، فقال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فأتى به قبل ذلك و رآه سليمان مستقرا عنده، فقال: <<هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)>>.

و في هذا ثناء على العلم و العلماء، و الله أعلم بمن هو هذا الذي عنده علم من الكتاب، المهم هو أنه كان أقوى من عفريت الجن، و هذا من فضل العلم و قوته.

ثم قال لجنده: نكروا لها عرشها ننظر أتعرفه أم لا، فلما جاءت قيل لها: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو. فكانت ذكية فطنة حكيمة، فلم تقل أنه هو لأنه كان منكرا متغيرا و لأنها خلفته في اليمن، و لم تنف ذلك لأنه يشبهه و لأنها لا تعلم عن هؤلاء القوم و قدراتهم.

لكنها بقيت على شركها و صدها عن الحق ما كانت تعبد من دون الله رغم ذكائها و فطنتها.

ثم أراد سليمان أن يريها ملكه و ما آتاه الله منه حتى تعرف قدرة الله ما أعطاه لعباده المؤمنين، و حتى لا تغتر و من معها بقوتهم و بأسهم في الأرض، فأخذها إلى صرح من صروحه، و كان صرحا مبنيا على الماء و مسطحا بالزجاد، فيرى من أرضيته الماء تحته، فلما دخلت حسبته ماء فكشفت عن ساقيها، فقال سليمان عليه السلام: إنه صرح ممرد من قوارير، أي أنه مصنوع من الزجاج، حينها أدركت أنها كانت على الباطل و أن الحق مع سليمان، و أنها كانت ظالمة لنفسها فقالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فأسلمت هي و قومها.

و جاء في قصة سليمان مع الملكة بلقيس الكثير من الروايات و الكلام من الإسرائيليات و غيرها، و لا يعلم صحته من بطلانه، و على كل فلا نفع لنا به، و كفانا ما أخبرنا به تعالى في القرآن، يقول السعدي في تفسيره: < فهذا ما قصه الله علينا من قصة ملكة سبأ وما جرى لها مع سليمان، وما عدا ذلك من الفروع المولدة والقصص الإسرائيلية فإنه لا يتعلق بالتفسير لكلام الله وهو من الأمور التي يقف الجزم بها، على الدليل المعلوم عن المعصوم، والمنقولات في هذا الباب كلها أو أكثرها ليس كذلك، فالحزم كل الحزم، الإعراض عنها وعدم إدخالها في التفاسير. والله أعلم. >.

وفاة سليمان عليه السلام

و لما قرب زمن وفاته عليه السلام، أراد الله أن يعلم الجن أنه لا علم لهم بالغيب، فتوفى سليمان عليه السلام و هو واقف على منسأته، و هي عصاه، و كان جنوده لا يقربونه، و لبث زمنا واقفا على منسأته لا أحد يقترب منه، و كانت الأرضة تأكل العصا، و الأرضة هي حشرة تأكل الخشب.

حتى إذا أكلت عصاه سقط فعرفت الجن أنه مات منذ زمن طويل، و أنهم لم يعلموا بموته، و كانوا ينتظرون موته ليتحرروا من العذاب و العمل لديه.

ختاما

قال تعالى: << لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)>> سورة يوسف.

اللهم اجعلنا ممن يسمعون قصص الأنبياء فيعتبرون بها، و اجعلنا من أولي الألباب، و اجعلنا من المؤمنين، و اهدنا و اغفر لنا و ارحمنا و احشرنا مع زمرة الأنبياء و الشهداء و الصالحين.

هذا و الله أعلم، و صلى الله على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

مواضيع مشابهة

قصة سيدنا آدم عليه السلام ، خلقه ، أبناؤه ، الأحداث في حياته ، وفاته .

قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام – قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الصحيحة –صحيح الجامع للألباني-

كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-

كتاب تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان –عبد الرحمان السعدي-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top