قصة ذي القرنين من القرآن الكريم

لما كان رسول الله ﷺ يدعو الناس إلى الإسلام، سأله أناس عن ذي القرنين، وذو القرنين هذا رجل اشتهر في التاريخ بأنه رجل آتاه الله قوة وآثارا في الأرض، وواستنبط بعض المؤرخين أنه هو نفسه الإسكندر الأكبر، ولكن العلم عند الله، وما نعلمه عن هذا الرجل هو ما أخبر به الله تعالى رسوله الكريم في القرآن العظيم، ففي هذا المقال، سنتحدث عن ما ورد في قصة ذي القرنين من القرآن.

أين وردت قصة ذي القرنين في القرآن؟

وردت قصة ذي القرنين في أواخر سورة الكهف، من الآية 83 إلى الآية 98. وتفصيل ما جاء قصته كالآتي:

من هو ذو القرنين ؟

قال تعالى:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)}

فذو القرنين رجل آتاه الله قوة وتمكينا في الأرض، ومعنى قوله تعالى: وآتيناه من كل شيء سببا: أن الله أعطى هذا الرجل من الأسباب التي يحتاجها لتكون له القوة والتمكين في الأرض. وقال العلماء أنه كان ملكا قويا ملك من مشارق الأرض إلى مغاربها، وقال بعض المؤرخين أنه نفسه الإسكندر الأكبر. والله أعلم في ذلك. ونحن نتعرف على هذه القصص لنأخذ العبر.

وقال تعالى: فاتبع سببا. أي أنه اتبع الأسباب التي مكنه الله منها، ومن الناس من ينعم الله عليه بالأسباب لكنه لا يتبعها، فيكسل ويترك العمل، وهذا من قلة التوكل على الله. إذ أن الواجب على الإنسان أن يأخذ بالأسباب التي مكنه الله منها.

قصة ذي القرنين حتى إذا بلغ مغرب الشمس

وسافر ذو القرنين حتى بلغ مغرب الشمس، وهو آخر ما أمكنه أن يبلغه، قال الشيخ ابن العثيمين أنه بلغ البحر من جهة المغرب، وذاك معنى مغرب الشمس.

عندما وصل إلى هذا المكان المسمى، وجد عندها قوما، ومكنه الله تعالى من هؤلاء القوم فظفر عليهم، فصار له الخيار بين أن يقتل منهم ويسبي، أو تركهم وحالهم أو طلب منهم الفدية في أنفسهم. فكان حكمه عادلا يدل على إيمانه.

فاختار أنه من كفر فسيعذبه، وقال أنه سيرد إلى ربه فيعذبه الله عذابا نكرا، واستنبط العلماء من هذا أن الكافر لا تطهره العقوبة من ظلمه على عكس المؤمن.

وأما من آمن وعمل صالحا فقد قرر أن يقول له من أمره يسرا، وقال أن له جزاء الحسنى. وهذا عن جزاء الآخرة.

قصة ذي القرنين مع قوم: لم نجعل لهم من دونها سترا

ولما فعل ما فعل مع القوم في مغرب الشمس، سافر حتى بلغ مطلع الشمس، أي أنه بلغ حد البحر من الجهة الشرقية مما أمكنه وصوله، فوجد هناك قوما يعيشون تحت الشمس لم يتخذوا فيها بيوتا ولا أشجارا، فلم يتستروا من الشمس بشيء.

ذو القرنين ويأجوج ومأجوج

وبعد أن بلغ هذا الموضع، سافر حتى بلغ بين السدين، ومعنى هذا بين الجبلين، أي أنه بلغ موضعا بين جبلين عظيمين، قيل أنهما جبلان كبيران بينهما فرجة يمر الناس منها.

ووجد عند هذين الجبلين قوما لا يعرفون لغة الناس من شدة انعزالهم عنهم، لذا قال عنهم الله تعالى: لا يكادون يفقهون قولا.

ثم وجد معهم وسيلة تواصل، والدليل على ذلك أن الله قال: قالوا يا ذا القرنين. فتحدثوا معه ودعوه باسمه، فربما أنهم تعلموا اللغة من ذي القرنين وجيشه أم ترجم بينهم ترجمان. فالله أعلم في ذلك.

فشكوا إليه من قوم يُدعَوْنَ يأجوج ومأجوج، وقالوا له أنهم قوم مفسدون في الأرض، وسألوه أن يجعل بينهم وبين هؤلاء القوم المفسدين سدا بمقابل مالي. وهذا معنى قوله: هل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا. فالخرج هو مال يخرجونه له.

فقال لهم ذو القرنين: ما مكنّي فيه ربي خير. أي أنه رفض مالهم، وسألهم أن يعينوه بالقوة يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج ردما. والردم أشد من السد وأمنع منه.

بناء سد يأجوج ومأجوج

وأمر ذو القرنين هؤلاء القوم أن يأتوا له بزبر الحديد، قال بعض العلماء أن الزبر هي القناطير، أي جمع قنطار. المهم أنهم أتوا له بالحديد، فأمرهم أن يجعلوا هذا الحديد بين الجبلين حتى ساووا بينهما، فصار الجبلان كأنهما جبل واحد، وهذا يدل على شدة قوة الناس في ذلك الزمن.

ولما ساوى بالحديد بين الجبلين أمر فأضرموا في هذا الحديد النار حتى صار مشتعلا، وهذا معنى قوله تعالى: قال انفخوا حتى إذا جعله نارا.

ثم أمرهم أن يأتوه القطر، والقطر هو النحاس المذاب كما قال العلماء، فأسال على ذلك الحديد المشتعل النحاس المذاب، فصار ردما منيعا حتى لم يستطع يأجوج ومأجوج اختراقه. وهم لليوم محبوسون تحته لا يستطيعون تسلقه ولا نقبه. وهذا معنى قوله تعالى: فلم اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا. فيظهروه معناها يتسلقوه ظهره.

فعندها قال ذو القرنين: هذا رحمة من ربي.

فكان هذا السد مانعا لهم من الخروج حتى يأذن لهم الله، وقال تعالى: حتى إذا جاء وعد ربي جعه دكاء وكان وعد ربي حقا.

أي أنه سيأتي اليوم الذي سيصير فيه هذا السد دكا بإذن الله، ووعد الله إذا وعد وعد حق، فسبحان الله وتعالى عن العجز أو الكذب وإخلاف الوعود.

وقد أخبرنا رسول الله ﷺ أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في آخر الزمان، وخروجهم من علامات الساعة الكبرى، ويكون ترتيبه بين هذه العلامات بعد فتنة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقبل قبل طلوع الشمس من مغربها.

ختاما لـ قصة ذي القرنين

كان هذا ما ورد من قصة ذي القرنين في القرآن الكريم، وأما مسألة هل هو نبي أم لا فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من قال أنه نبي لأن الله قال: قلنا يا ذا القرنين إما… فاستشهدوا بهذا على أنه نبي، وهو قول قوي، ومنهم من قال أنه ملك صالح وليس نبيا. والله أعلم في ذلك، وكلا القولين قوي وله أدلته. وليس لنا إلا أن نعتبر من القصة والعلم عند الله تعالى.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مصادر لـ قصة ذي القرنين

القرآن الكريم

سلسلة كل يوم قصة للشيخ ابن العثيمين رحمه الله

تفسير ابن كثير رحمه الله

فتاوي الشيخ ابن باز رحمه الله

فتاوي الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top