ماهو يوم التروية وأعماله وفضله ؟ ولماذا سمي بهذا الاسم ؟

باسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أما بعد: فإن يوم التروية يوم عظيم معروف عند المسلمين، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، أي اليوم الذي يسبق يوم عرفة، وهو اسم قديم جدا، وفي سبب تسميته أقوال نذكرها إن شاء الله، وهو يوم من أيام الله سبحانه وتعالى، وله عدة فضائل عددها العلماء. فما هو يوم التروية وأعماله وفضله ؟ ولماذا سمي بهذا الاسم ؟

لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم ؟

تعود تسمية يوم التروية لواحد من أربع أقوال اختلف بينها أهل العلم، وهذه الأقوال هي:

  1. أن الناس كانوا يجمعون الماء في هذا الماء ليحملوه معهم إلى عرفة، لأنه في ذلك الزمن لم يكن هناك ماء في عرفة.
  2. أنه اليوم الذي رأى فيه آدم عليه السلام أمنا حواء بعد إنزالهما إلى الأرض.
  3. أن إبراهيم عليه السلام رأى أنه يذبح ابنه إسماعيل ليلة الثامن من ذي الحجة. فأصبح يتروى ويترائى أهي رؤيا أم حلم من الشيطان. ورأى الرؤية مرة ثانية يوم عرفة فعلم أنها رؤيا وليست حلما من الشيطان.
  4. وقيل أيضا أنه اليوم الذي أرى الله في إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل مناسكهما، استجابة لدعائهما: وأرنا مناسكنا.

قال الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله:

“وهذه الأسباب الثلاثة الأخيرة تحتاج إلى ما يسندها، ولست أعلم شيئا عاليا يسندها، ولذلك فالمعتمد هو السبب الأول الذي ذكرناه”.

فالراجح أن السبب هو الأول، وهو أن الناس يتروون في هذا اليوم تحضيرا للذهاب إلى منى وتحضيرا ليوم عرفة.

فضل يوم التروية للحاج و لغير الحاج

إن يوم عرفة يوم عظيم جدا، وفيه فضائل كثيرة منها:

  • أنه يوم من أيام الأشهر الحرم، وهي الأشهر التي اصطفاها الله من بين الأشهر الأخرى، وشهر ذي الحجة أحد الأشهر الحرم الأربعة، والإنسان المسلم مأمور باجتناب الظلم كله في الأشهر الحرم، وذلك لقوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ}. 
  • صحيح أن الظلم محرم في كل زمان ومكان، ولكن حرمته تتأكد في الأشهر الحرم، ويوم التروية من أيام الأشهر الحرم، فعلى المسلم أن يتجنب الظلم فيه وفي أيام هذه الأشهر أكثر مما يتجنبه في غيره.
  • أنه يوم من أيام الحج، وأن فيه أعمالا خاصة للحاج، وأن فيه التزود بالتقوى كما قال تعالى:
  • {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)} البقرة. 
  • أنه يوم من أيام العشر الأولى من ذي الحجة، التي هي أيام عظيمة عند الله أو هي الأعظم، وقد أقسم بها الله سبحانه وتعالى في سورة الفجر في قوله جل وعلا:
  • {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} الفجر.
  • وكذلك ما ثبت في هذه الأيام من أن العمل فيها أفضل من غيرها، وأنه لا توجد أيام العمل فيها أفضل من هذه، فقد قال ﷺ عنها في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عباس رضي الله عنه:
  • { ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ.} رواه البخاري.
  • فهو من أعظم الأيام التي على الإنسان المسلم أن يحرص فيها على العمل الصالح من قراءة القرآن والصيام وسائر أنواع الأعمال والعبادات لله سبحانه وتعالى.

اعمال ماقبل يوم التروية

إن العمل ما قبل يوم التروية يتعلق بالأيام السبعة الأولى من ذي الحجة، التي هي من الأيام العشر من ذي الحجة، وهي أيام عظيمة ثبت فيها أن أفضل العمل عند الله في هذه الأيام، وقد أقسم الله تعالى بها في كتابه العزيز حين قال:

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} الفجر.

ويشرع للإنسان في هذه الأيام المباركات جميع أنوع العبادات والأعمال الصالحة، نذكر منها:

  • الصيام: وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يصوم في هذه الأيام العظيمة، خاصة يوم عرفة، وقد قال النبي ﷺ عن صيام عرفة في حديث طويل رواه أبو قتادة الحارث بن ربعي:
  • { صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ} رواه مسلم.

  • التكبير والتهليل والتحميد: وهي سنة في هذه الأيام العشر وأيام العيد دون غيرها، فالمستحب للمسلم أن يكبر ويهلل ويحمد ويرفع صوته بذلك، وقد كان الصحابة يفعلون ذلك رضوان الله عليهم. ومن صيغ ذلك:
  • قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
  • {التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو يثلث: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ومثله: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، كل هذا مشروع في عيد الفطر بعد غروب الشمس إلى الفراغ من الخطبة، وفي الأضحى من دخول شهر ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق ثلاثة عشر يومًا، من أول ذي الحجة إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر، كله محل تكبير.}

  • قراءة القرآن، والاجتهاد في النوافل من الصلوات، وكثرة الذكر لله سبحانه وتعالى، والصدقات وكل الأعمال الصالحة.
  • ترك الشعر والظفر والبشرة للمضحي

  • كما يسن للرجل الذي يريد أن يضحي عن أهله (يعني رب البيت المعني بالأضحية) أن لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئا، وهذا مما أمر به النبي ﷺ.

فكل هذه من أعمال أيام العشر من ذي الحجة، وتشرع للحاج ولغير الحاج، ما عدا صيام يوم عرفة فإنه محرم على الحاج، فالحاج يمكنه صيام أول ثمانية أيام من ذي الحجة، لكنه لا يصوم عرفة والعيد بطبيعة الحال.

ومن أعمال ما قبل يوم التروية للحاج التي تختص به:

اعمال ماقبل يوم التروية للحاج

  • العمرة: فمن المشروع للحاج أن يهل عند قدومه إلى البقاع المقدسة أن يهل بعمرة، أو بحجة، أو بعمرة وحجة معا.
    • الفرق بين المتمتع والمفرد والقارن

    • أما الذي يهل بعمرة، فيسمى بالمتمتع، على أن يحل من عمرته في يوم التروية بعد أن يقصر أو يحلق ثم يهل بحجة. وهذا أفضل الحج وأخيره، وقد أمر به رسول الله ﷺ إلا إذا ساق الحاج الهدي معه، يعني ساق ذبائحه معه. والمتمتع عليه هدي لكن ليس بشرط أن يسوقه من أين أتى، فيصح له شراء أضحيته أو أضحياته في مكة وذبحها والتصدق بها على فقراء مكة.
    • وأما الذي يهل بحجة فيسمى مفردا، وهذا لا يعمل غير أعمال الحج، فهو لا يأتي بعمرة. وهذا ليس عليه هدي أساسا.
    • وأما الذي يهل بعمرة وحجة فيسمى قارنا، وهذا يشترط له أن يسوق الهدي، ورسول الله ﷺ في حجة الوداع قرن، وقد فعل ذلك لأنه ساق الهدي، فأي حاج ساق معه الهدي صار لزاما عليه أن يكون قارنا، لكن المشروع لمن لم يسق الهدي التمتع بعمرة إلى حجة، أي أن يهل بعمرة ثم يحل منها ويهل بحجة.
  • وقد ذكرنا هذه الفروق ليتبين لنا أعمال الحاج في يوم التروية وما قبلها.
  • متى يحرم المتمتع: فالمتمتع يحرم في يوم التروية.
  • متى يحرم المفرد: وكذلك المفرد يمكنه أن يفعل ذلك إن لم يكن قد أحرم بعد وله أن يحرم قبل يوم التروية.
  • متى يحرم القارن: ولكن القارن لا يفعل ذلك لأنه قد أحرم من قبل يوم التروية وأدى مناسك العمرة، ويبقى محرما إلى أن يتم مناسك الحج جميعها.

أعمال يوم التروية للحاج

أولا وقبل أن نتطرق للكلام عن أعمال يوم التروية للحاج ، نذكر ضوابطا مهمة لأعمال يوم التروية وهي:

  • أن العمل في يوم التروية وما قبله من الأيام (قبل يوم عرفة) للحاج كلها من السنة وليست من الواجبات في الحج، وذلك لأنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه من أدرك عرفة فقد أدرك الحج، وهذا في قوله ﷺ للرجل الذي جاءه في يوم عرفة يقول أنه تعب في الطريق ولكنه لم يصل قبل عرفة، فقال ﷺ:
  • {من أدرَكَ معَنا هذهِ الصَّلاةَ وأتى عرفاتَ قبلَ ذلِكَ ليلًا أو نَهارًا فقد تمَّ حجُّهُ وقَضى تَفثَهُ} حديث صحيح (رواه أبو داوود وغيره وصححه الألباني).
  • ولكن هاهنا يجب التنويه على أمر، وهو أنه كون أعمال يوم التروية للحاج من السنن وليست من الواجبات، هذا لا يعني أن يتركها الحاج، فالأولى للإنسان أن يقتدي في عمله برسول الله ﷺ في كل صغيرة وكبيرة ما استطاع، حتى يكون هذا أكمل وأقرب للقبول، وكذلك فالسنن تكون للإنسان الملتزم بها كالحمى للواجبات، فإذا ترك الإنسان السنن أوشك أن يترك الواجبات.
  • إلا إذا كان في الإتيان ببعض السنن ضرر يجعل الإنسان يتعب كثيرا أو يصيبه ما يحول بينه وبين إتمام واجباته، فهنا ترك السنة (إذا كانت تضر) يكون أفضل من الإتيان بها حتى يتم الإنسان حجه. ولكن لا يتركها لمجرد أن فيها مشقة، فالمشقة هي طريق الجنة كما قال العلماء.
منى
منى .. المشاعر المقدسة

ماذا يفعل الحاج يوم التروية

أما الحاج في يوم التروية، فإذا كان متمتعا (غير مفرد أو قارن) فإن من أعماله في هذا اليوم

  • الإحرام: أنه يحرم للحج، والإحرام للحج للمتمتع يكون من محله حتى لو كان في مكة، وكذلك أهل مكة يحرمون منها.
  • التلبية: فالحاج يبدأ التلبية منذ إحرامه، ويرفع صوته بالتلبية، وقد كان الصحابة يصرخون بالتلبية صراخا، إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد. فيلبي في فترات.
  • الخروج إلى منى من كان بمكة محرما، والخروج من الأفضل أن يكون قبل الزوال.
  • الصلاة بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويبيت بها ليلة التاسع.
  • الأعمال الصالحة كما في حق غير الحاج، مثل الصوم والصدقات وغيرها من الأعمال.

وكل هذه الأعمال التي ذكرناها إنما هي من السنن لا من الواجبات، والإحرام يجوز أن يحرم قبل يوم التروية أو بعده (أي يوم عرفة)، ولكن اتباع النبي صلوات ربي وسلامه عليه والاستنان بسنته أرجى وأكمل لقبول الطاعات وأحفظ لحمى الواجبات كما ذكرنا.

اعمال يوم التروية لغير الحاج

إن غير الحاج في يوم التروية يشرع له من الأعمال ما يشرع في ما قبلها في العشر من ذي الحجة، والتي سبق ذكرها من صيام وأعمال صالحة وقرآن وصلاة وصدقات…. وليس له عمل مخصوص به دون سائر العشر الأخرى من ذي الحجة بالنسبة لغير الحاج.

فضل صيام يوم التروية

صيام يوم التروية سنة فعلها النبي ﷺ في العشر الأواخر كلها، ولكن التأكيد في الصيام في يوم عرفة أكثر. ويوم  التروية في هذا مثله مثل باقي العشر من ذي الحجة.

ختاما

فيوم التروية يوم عظيم للحاج ولغير الحاج، وهذه الأيام كلها أيام عظيمة عند الله تعالى، على الإنسان أن يستغلها ما أمكن، لعل الله أن يغفر بها ذنوبه ويكفر عنه بها سيئاته، ويدخله بها جنات النعيم. نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

مصادر

الموقع الرسمي للشيخ صالح الفوزان حفظه الله

لقاء إذاعي من برنامج مناسك يوم التروية فضيلة الشيخ ا.د. سليمان الرحيلي

الموقع الرسمي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
الموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله (فتاوى نور على الدرب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top