ماهي الأشهر الحرم وماذا يحرم فيها ولماذا سميت بهذا الاسم

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فإن الله قد خلق السماوات والأرض وقدر الزمن بالسنوات، والسنة بالشهور عدتها 12 شهرا في كتاب الله، واصطفى منها 4 أشهر هي الأشهر الحرم، فما هي الأشهر الحرم ؟ ولماذا سميت بهذا الاسم ؟ وما الذي يحرم في الأشهر الحرم؟ ولماذا يحرم القتال في هذه الأشهر؟ وما هي الأعمال المشروعة فيها؟ وهل الذنوب تتضاعف فيها؟ هذا ما سنجيب عنه إن شاء الله تعالى في هذا المقال.

ما هي الأشهر الحرم ؟

قال ربنا تبارك وتعالى:

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} التوبة.

وقال أيضا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ….} المائدة -2-

وقال أيضا:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} البقرة

وقال أيضا

{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 194)

فهذه آيات ذكر فيها الله جل وعلا الأشهر الحرم، وهي أشهر معروفة عند العرب حتى قبل الإسلام، وهي أشهر أربعة يتوقفون فيها عن القتال، ثلاثة متجاورة وواحد منفرد، ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب، كما قال رسول الله ﷺ:

{ الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ} رواه البخاري في حديث طويل.

ويتوقف الناس في هذه الأشهر الحرم عن القتال تعظيما لشعائر الله، إذ أن الحج يكون في شهر ذي الحجة، فيبدأ الناس في جزيرة العرب بالسفر ابتداء من ذي القعدة ليصلوا إلى مكة لأداء مناسك الحج، وبعد أن يحجوا يعودون إلى ديارهم في الشهر المحرم، فيأتون ويحجون ويعودون في أمان. فهي أشهر أمن ليأمن الناس من أجل تعظيم بيت الله الحرام.

لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم

سمي ذو القعدة بهذا الاسم لأن العرب كانت تبتدئ فيه القعود عن القتال، ويقدم الناس آمنين في ذي القعدة من كل فج، بحيث أن القتال قد توقف ولا يخشون الإغارة عليهم في هذه الأشهر الحرم.

وذو القعدة لا تنطق ذو القِعدة كما ينطقها عامة الناس، وإنما الأصل أنها تنطق بفتح القاف، أي: ذو القَعدة.

لماذا سمي ذو الحجة بهذا الاسم

وأما ذو الحجة، فقيل أنه سمي في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للنبي ﷺ، وأنه سمي لأن الناس يحجون فيه إلى بيت الله الحرام.

شهر محرم

محرم شهر الله كما سماه النبي ﷺ، وهو شهر عظيم أيضا، ويسن فيه الصيام كما سنذكر إن شاء الله في أعمال الأشهر الحرم. وهو الشهر الذي يعود فيه الحجاج إلى ديارهم آمنين.

شهر رجب ، وماذا يعني رجب مضر؟

لما ذكر رسول الله ﷺ الأشهر الحرم قال: رجب مضر. ورجب هو الشهر المعروف، ومضر قبيلة من قبائل العرب، وقيل أنه سماه برجب مضر لسببين:

  • أن قبيلة مضر كانت أشد تعظيما لرجب، وأن بعض القبائل كانت تغير في أسماء الأشهر فتقدم وتأخر الأشهر بحسب الحاجة للقتال، فلو احتاجوا للقتال أحلوا الشهر الحرام وحرموا شهرا آخرا حلالا، فجاؤوا بهذه البدعة حتى يحلوا الشهر الحرام مدعين أنهم حافظوا على عدة الأشهر الحرم.
  • وقيل لأن هناك رجبان عند العرب في ذلك الوقت، حيث أن قبائلا ومنها قبيلة مضر رجب لديها هو الذي بين جمادى الثانية وشعبان، وعند بني ربيعة هو الذي بين شعبان وشوال، الذي هو رمضان. ولذلك قال رسول الله ﷺ: رجب مضر.
  • وكان يسمى أيضا برجب الأصم بسبب سكوت أصوات السلاح فيه، فكان العرب يعظمون هذا الشهر أشد من غيره من الأشهر الحرم.

والحكمة من تحريم هذا الشهر رغم أنه منفرد هي أن لا يخلو البيت الحرام من قاصديه من المعتمرين في غير موسم الحج.

فضل الأشهر الحرم

  • عظم حرمتها: أشد تحريما من باقي الشهور، ويشتد تحريم المعاصي في هذه الشهور أكثر من غيرها، لذلك قال تعالى: فلا تظلموا فيهم أنفسكم.
  • ابتداء القتال في هذه الأشهر محرم، وابتداء القتال هو البدء بالقتال دون أن يأتي إليك العدو، وإلا فالقتال فيها للدفاع ليس بمحرم طبعا. وهذا قول فيه اختلاف بين العلماء، وسنأتي له في باقي المقال إن شاء الله.
  • فيها العشر من ذي الحجة، وهي أعظم الأيام عند الله تعالى.

هل يحرم القتال في الأشهر الحرم؟

اختلف في هذه المسألة بين العلماء، إذ أن هناك من قال أن هذا الحكم باق، ومن قال أن هذا الحكم قد نسخ، وجمهور العلماء على أنه منسوخ.

قال الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله: لكن الأرجح والأقوى دليلا أنه ثابت محكم، فيحرم ابتداء القتال في هذه الأشهر لغير الدفاع.

فالقتال للدفاع مشروع فيها وفي غيرها من الأشهر، وكذلك استمرار القتال، لأنه إذا ابتدأ القتال في غيرها فإنه يشرع إكماله. وهذا اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى أيضا، أن الحرمة فيها باقية لقوة الدليل.

الاشياء المحرمة في الأشهر الحرم

  • إبتداء القتال كما قلنا من قبل.
  • يشتد في هذه الأشهر الحرم الظلم بأنواعه، وهو حرام في كل الأشهر، لكن في هذه الأشهر يزداد تحريمه وقبحه أكثر. ومن ذلك:
  • ظلم الناس
  • ظلم النفس بالشرك وارتكاب المحرمات والمعاصي والبدع والمنكرات بأنواعها. فهي أكثر إثما وتحريما وقبحا في هذه الأشهر أكثر من غيرها.

أعمال الأشهر الحرم

  • الحج: إذ أن الحج في هذه الأشهر الحرم، وهو أعظم الأعمال في هذه الأشهر، والحكمة من تحريمها إنما هو لهذا الغرض، أن يحج الناس في أمان.
  • يستحب العمل الصالح والإكثار منه في العشر الأوائل من ذي الحجة التي هي في الأشهر الحرم، وذلك بالإكثار من الصدقات والصيام والصلاة والذكر والتكبير والتهليل والتحميد وسائر أنوع الأعمال الصالحة.
  • يستحب الصيام في شهر المحرم، وذلك لما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ قال:
{ أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ. } رواه مسلم.
  • أما شهر ذو القعدة وشهر رجب فإنه ليس فيها عمل خاص يشرع دون بقية الشهور، إلا أنه يلحقها تحريم الابتداء في القتال وتعظم فيها الذنوب. ويشرع فيها ما يشرع في باقي الأشهر العادية، مثل صيام الإثنين والخميس وما إلى ذلك.
  • ولكن الحديث المنتشر: صم من الحرم واترك. هو حديث ضعيف لا يستدل به، وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله.

هل تضاعف السيئة في الأشهر الحرم

إن ما قرره العلماء في هذه المسألة أن السيئات لا يتضاعف عددها في الأشهر الحرم وكذلك في رمضان في الحرم وما إلى ذلك، ولكن يتضاعف قدرها وحجمها.

وكما أن السيئات والذنوب تختلف في حجمها وقدرها بحسب الذنب المرتكب إلى صغائر وكبائر، فإنها تختلف أيضا بحسب زمن وقوعها ومكان وقوعها، فالسرقة مثلا في المسجد أعظم وأشد قبحا من السرقة في السوق، وكذلك السرقة في الأشهر الحرم أعظم وأشد قبحا من السرقة في غيرها من الأشهر.

ختاما

فالأشهر الحرم أشهر عظيمة حرمها الله جل وعلا، فعلى الإنسان المسلم أن يحرم فيها شعائر الله، وأن يبتعد عن الظلم بأنواعه ما أمكنه، ونسأل الله تعالى أن يهدينا صراطا مستقيما، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

مصادر

القرآن الكريم

فتاوي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

لقاء مع الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله في برنامج اللهم بك أصبحنا-إذاعة القرآن الكريم. الموضوع: الأشهر الحرم.

موقع الدرر السنية -للتحقق من صحة الأحاديث-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top