من الذي غسل الرسول ﷺ وكفنه بعد موته

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فإن الله جل وعلا قد بعث لنا نبيا كان لنا رحمة مهداة ونعمة مسداة، وسراجا منيرا أنار به علينا الحياة بعد أن كانت في ظلمات الجهل والكفر والشرك، فأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وبين لنا به الصراط المستقيم، وشرع به لنا دين الإسلام، وإن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، أرسله الله بإقرأ وهو ابن 40 سنة، فظل 23 سنة يدعو إلى الله عز وجل، فأنزل الله عليه القرآن كاملا مفصلا، وعلمنا الإسلام وأكمل لنا الدين كله، دين الإسلام الذي هو دين لكل زمان ومكان. ثم توفي رسول الله ﷺ بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة، وبعد أن جاهد في الله حق جهاده، فآتاه الله اليقين، نعم إنه الموت، أليس هو من قال له الله عز وجل: إنك ميت وإنهم ميتون. توفي رسول الله ﷺ، وفي هذا يتبادر إلى الأذهان سؤال: من الذي غسل الرسول ﷺ وكفنه ؟ وأين دفن ﷺ وكيف دفن؟ وكيف صلى عليه الناس؟ وكيف كان موت الرسول ﷺ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه إن شاء الله تعالى في هذا المقال.

كيف مات الرسول ﷺ ؟ موت الرسول ﷺ:

إن رسول الله ﷺ قد اشتد عليه المرض أياما قبل أن يموت عليه الصلاة والسلام، وقد مرض ﷺ 13 أو 14 يوما، وبدأ مرضه في يوم 29 صفر سنة 11 للهجرة في يوم الإثنين، وكان عليه الصلاة والسلام قد شهد جنازة في البقيع، فلما عاد أخذه صداع في رأسه وهو في الطريق، وارتفعت حرارته، وكان يقول لزوجاته في آخر أيامه:

{أيْنَ أنَا غَدًا؟ أيْنَ أنَا غَدًا؟} رواه البخاري.

ففهمن مراده وأذنَّ له يكون حيث شاء، فأكمل آخر أسبوع له في بيت عائشة رضي الله عنها، وكان رسول الله ﷺ في هذه الأيام يوصي المسلمين بأمور مهمة جدا، ومن الأمور التي أوصى بها ﷺ في أيام مرضه:

  • خرج رسول الله  يوما على الناس فخطبهم في المسجد فقال:
  • {قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.} رواه البخاري.

  • أوصى بالأنصار خيرا وأمر الناس أن يقبلوا من محسنهم ويتجاوزوا من مسيئهم.
  • أثنى على أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
  • أمر أبا بكر أن يصلي بالناس لما اشتد به المرض، فصلى بالناس 17 صلاة في حياته صلى الله عليه وسلم.
  • أعتق غلمانه وتصدف بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب أسلحته للمسلمين.
  • أوصى بالصلاة، فقد روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
  • {كان آخر ُكلامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: الصلاةَ الصلاةَ ! اتقوا اللهَ فيما ملكت أيمانُكم} صححه الألباني.
  • دعا ابنته فاطمة رضي الله عنها مرة، فقال لها شيئا فبكت، ثم دعاها مرة أخرى فقال لها شيئا فضحكت. فلما سئلت بعد ذلك قالت:
  • سارني النبي ﷺ أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت.

  • وبشرها كذلك أنها سيدة نساء العالمين.
  • أوصى بثلاث أمور: بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وبإجازة والوفد بنحو ما كان يجيزهم به رسول الله ﷺ، والثالثة نسيها الراوي أو سكت عنها.

ثم في آخر يوم من حياته ﷺ دخل عبد الرحمان بن أبي بكر رضي الله عنه وبيده السواك، وكانت عائشة رضي الله عنها مسندة رسول الله ﷺ، فرأته ينظر إلى ذلك السواك فقالت: آخذه لك؟ فأشار برأسه لها أن نعم. فتناولته فاشتد عليه فقالت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فلينته له.

وكان بين يديه إناء فيه ماء، فكان يدخل يده في الماء ويمسح بها وجهه ويقول:

{لا إله إلا اللهُ ، إنَّ للموتِ سَكَراتٍ} رواه البخاري.

وما إن فرغ ﷺ من السواك رفع أصبعه أو يده، وشخص بصره نحو السقف فأصغت إليه عائشة رضي الله عنها لما تحركت شفتاه فكان يقول:

{مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى} رواه البخاري.

وكان هذا في ضحى يوم الإثنين 12 ربيع الأول من السنة الحادية عشر للهجرة، بعد 63 سنة من ولادته ﷺ.

ردة فعل الصحابة عند موت الرسول ﷺ

وكانت مواقف الصحابة في هذا الموقف العظيم المهول مواقفا صعبة جدا، فكان منها:

قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موت الرسول ﷺ

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يصدق أن رسول الله ﷺ قد مات، فجعل يقول:

إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله ﷺ توفي، وإن رسول الله ﷺ ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات.

ماذا قال أبو بكر عند موت الرسول ﷺ

أما أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان موقفه هو الأقوى والأحكم عند موت الرسول ﷺ، فقد أقبل على فرس من مسكنه، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس ودخل عند عائشة رضي الله عنها، فكشف عن وجه النبي ﷺ فأكب عليه فقبله وبكى وقال كلاما. ثم خرج إلى الناس وعمر يكلمه فقال: اجلس يا عمر. فلم يجلس. وأقبل النس عليه وتركوا عمرا.

فقال أبو بكر رضي الله عنه كلمته الشهيرة:

أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت. قال الله: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]

قال ابن عباس رضي الله عنه بعد ذلك عن كلام أبي بكر: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.

ومن الصحابة من هوي إلى الأرض فلم يستطع القيام، واختلفت مواقفهم في هذا اليوم المهول، وكان من أشد الناس عليهم، فاشتد عليهم الحزن وكان يوما عصيبا جدا.

ثم اختلف الناس في أمر الخلافة في ذلك اليوم قبل أن يغسلوا رسول الله ﷺ، وهذا أمر مهم جدا، لأن مثل هذا الموقف العظيم يحتاج إلى خليفة يخلف رسول الله ﷺ ليحكم بينهم، ويكون الأمر له حتى لا تقع النزاعات، فاجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وجرت المناقشات والمجادلات حتى انتهوا إلى الاتفاق على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان ذلك إلى أن دخل الليل، وبقي النبي ﷺ في فراشه مغطى بثوب مغلق عليه الباب.

حتى كان يوم الثلاثاء. ونأتي الآن لموضوع عنوان مقالنا:

من الذي غسل الرسول ﷺ وكفنه ؟

كان القائمون على تغسيل النبي ﷺ هم: عمه العباس بن المطلب، علي بن أبي طالب، الفضل وقثم ابنا عباس، وشقران مولى رسول الله ﷺ (مولى بمعنى مملوك)، وأسامة بن زيد، وأوس بن خولى رضي الله عنهم أجمعين.

فكان العباس وقثم يقلبانه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلي يغسله، وأوس مسنده إلى صدره. ثم كفنوه في 3 أثواب بيضاء.

أين دفن الرسول ﷺ

ودفن رسول الله ﷺ في تلك الحجرة نفسها التي مات فيها، والتي تعرف بحجرة عائشة رضي الله عنها، وذلك لأن أبا بكر رضي الله عنه قال:

سمِعتُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَيئًا ما نَسيتُه، قال: {ما قبَضَ اللهُ نَبيًّا إلَّا في المَوضِعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدفَنَ فيه. ادفِنوه في مَوضِعِ فِراشِه.}. رواه الترمذي وصححه الألباني.

فرفع أبو طلحة رضي الله عنه فراشه الذي توفي عليه فحفر تحته، ودفن هناك صلوات ربي وسلامه عليه. فكان الذي حفر قبره ﷺ هو أبو طلحة سهل بن زيد الأنصاري رضي الله عنه.

من صلى على النبي ﷺ عند وفاته

وكان الناس يصلون على رسول الله ﷺ أرسالا عشرة فعشرة بلا إمام، فكانوا يدخلون إلى موضع قبره فيصلون ويخرجون ويدخل فوج آخر وهكذا، وصلى عليه أهل عشيرته أولا، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، وصلت عليه النساء بعد الرجال، ثم صلى عليه الصبيان.

ومضى في الصلاة عليه عند موته يوم الثلاثاء كاملا حتى دخل الليل.

متى دفن الرسول صلى الله عليه وسلم

ودفن رسول الله ﷺ في جوف ليلة الأربعاء (وعندما نقول ليلة الأربعاء، فنحن نعني الليلة التي تسبق يوم الأربعاء، لأنه في الحساب الهجري الليلة قبل اليوم)، فقالت عائشة رضي الله عنها: ما علمنا بدفن رسول الله ﷺ حتى سمعنا صوت المساحي في جوف الليل من ليلة الأربعاء.

ختاما – موت الرسول ﷺ

موت الرسول ﷺ كان صعبا جدا على الصحابة رضوان الله عليهم، كيف لا وقد كان بين أظهرهم يرونه صباحا وعشيا، يصلي بهم ﷺ وهو خير الخلق أجمعين، فكيف بالإنسان المؤمن الذي يحب الله ورسوله حبا لا فوقه حب، أن يصبر على مفارقة خير الخلق أجمعين؟ محمد ﷺ؟

تالله إنه لموقف مهول عظيم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم خير الناس من بعده ﷺ، وقد خلفوه خير الخلافة، رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم جاءت من بعدهم الفتنة أرسالا كقطع الليل المظلم كما تنبأ ﷺ، وما من زمن يمضي وزمن يجيء إلا وقد اشتدت الفتن والمحن، ونحن في هذا الزمن في أشد ما يكون منها، نسأل الله الهداية والسلامة.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مصادر لـ موت الرسول ﷺ

موقع الدرر السنية (للأحاديث النبوية الصحيحة)

كتاب الرحيق المختوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top