الحكم الشرعي للجماع في رمضان بعد الافطار وقبل الفجر

إن شهر رمضان هو شهر عظيم جليل، فيه تكون العبادة لله على أكمل وجوهها، فالمؤمن فيه يكون صائما بالنهار، قائما مصليا بالليل، وهو شهر أمرنا فيه بترك الشهوات والملذات، والحرص على العبادات والطاعات، كل هذا تقربا لرب العزة جل جلاله. وفي هذا يأتي سؤال في الأذهان خاصة للمتزوجين، هل يجوز الجماع في رمضان في الليل؟ لذا في هذا المقال، نتحدث عن الحكم الشرعي للجماع في رمضان بعد الافطار وقبل الفجر .

الحكم الشرعي للجماع في رمضان بعد الافطار وقبل الفجر

لما فرض الصيام على المسلمين أول مرة في عهد النبي ﷺ، فرض بطريقة مغايرة لما هو معهود اليوم، فقد كان الأكل والشرب والجماع في رمضان حلالا من المغرب إلى صلاة العشاء فقط، فإن نام الإنسان أو صلى العشاء وجب عليه الإمساك عن الطعام والشراب والجماع إلى المغرب من الليلة القادمة.

فصعب ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم، وحدث مع أحد الصحابة أمر، وهو الصحابي الجليل قيس بن صرمة الأنصاري، حيث أنه كان صائما في نهار من أيام رمضان، فلما حضر المغرب سأل امرأته عن الطعام فلم يجد، وذهبت تطلب له طعاما فغلبته عينه فنام قبل أن يأكل، وأدركته صلاة العشاء ولم يفطر، فأكمل صومه إلى النهار التالي، فلما بلغ منتصف النهار غشي عليه من التعب.

وذكروا هذا لرسول الله ﷺ فنزلت آية من الله عز وجل تسهل عليهم الأمور وتيسر لهم ما كان عسيرا في الأول، ونزل حينها جزئ من الآية 187 في سورة البقرة، وهو قوله جل وعلا:

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.

ومعنى هذه الآية أن الله أحل للمسلمين الأكل والشرب والجماع من الإفطار وحتى الفجر من الليلة، أي الليل كله بعد أن كان جزءا صغيرا منه، والحمد لله الذي يسر لنا أمر هذا الدين.

وعلى هذا يكون الحكم الشرعي للجماع في رمضان في النهار هو الجواز بالأدلة الشرعية من القرآن والسنة النبوية الصحيحة واتفاق علماء الأمة.

الحكم الشرعي للجماع في رمضان في النهار

أما الجماع في النهار فإنه محرم، وهو على درجة كبيرة من التحريم، وهو من مفطرات الصائم، لأن الصوم إنما يكون بترك الطعام والشراب والجماع لله تعالى.

وهناك من يجهل هذه الأمور، لكن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، متى ما علم الإنسان أن هذا حرام فعليه أن يتركه. فالإنسان الجاهل لا يحاسبه الله بما لا يعلمه.

ماذا يفعل من جامع في نهار رمضان؟

أما من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة من أفطر متعمدا، وهو إما أن يعتق رقبة فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكينا.

ولكن هنا أمور علينا أن نعرفها:

أولا: ما هو الجماع الذي يفطر الصائم؟

الجماع الذي يفطر الصائم يكون بإصابة المرأة، أي بالإيلاج حتى بدون إنزال للمني، وهذا ثابت في حديث النبي ﷺ:

{ إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَها فقَدْ وجَبَ الغَسْلُ} رواه البخاري.

أي أن الجماع هو الذي يوجب الغسل، وهو الذي تحدث عنه النبي ﷺ في هذا الحديث ولو بدون إنزال.

ثانيا: ماذا عن الجاهل بهذه الأحكام؟

يكثر من الناس من لا يعلم أن الجماع بدون إنزال مفطر للصائم وموجب للغسل، وقد قال العلماء أن من كان جاهلا بهذا الأمر فجامع امرأته في نهار رمضان ظانا أن هذا ليس من الجماع المفطر فإنه ليس عليه شيء لأنه لا يعلم، ولكن متى علم حرم عليه فعل هذا مرة أخرى. وليس عليه كفارة ولا قضاء.

ثالثا: هل سائر الأمور من التقبيل والعناق وملاعبة الزوجة مفطر للصائم؟

هذه الأمور لا تفطر الصائم، ولكن إذا رأى الإنسان أنها تهيجه وقد تدفعه للجماع وإفساد الصيام فالأولى له تركها حتى يبتعد عن الحرام، وإذا رأى أن هذا لا يهيجه ويستطيع أن يكمل صومه من غير مشقة جاز له ذلك ولا حرج.

رابعا: هل الصوم صحيح على جنابة؟

نعني بهذا هل إذا جامع الإنسان امرأته أو أصابته جنابة من الليل وجب عليه الغسل قبل طلوع الفجر؟

والجواب على هذا أن للإنسان أن يؤخر الغسل إلى بعد الفجر، وله أن يتسحر ثم يغتسل بعد الفجر على أن يتوضأ وضوءه للصلاة كما كان يفعل النبي ﷺ إذا كان جنبا وأراد الأكل والشرب أو النوم.

ولكن على الإنسان أن يغتسل من أجل الصلاة لا من أجل الصيام، فتفويت وقت الصلاة يأثم عليه الإنسان، لكن الصيام يبقى صحيحا وإن كان الإنسان على جنب.

هل الاحتلام مفسد للصيام؟

نعني بالاحتلام أن يخرج من الإنسان مني وهو نائم، أي الجنابة أثناء النوم، وهي ليست مفسدة للصوم، لأنها ليست بإرادة الإنسان، وله أن يغتسل منها ويكمل صيامه وصيامه صحيح إن شاء الله تعالى.

ختاما

إن الإسلام دين يسر لا دين عسر، والله يسر لنا في الأمور كلها، وبين لنا تفاصيل الأمور حتى نعبد الله على بصيرة ولا نبتدع من عندنا، ولا أن نعيش كالبهائم لا ضابط لنا يضبط حياتنا.

فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين انعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مصادر

القرآن الكريم

السنة النبوية الشريفة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-

تفسير ابن كثير

فتاوي الشيخ ابن العثيمين رحمه الله

فتاوي الشيخ ابن باز رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top